معين أية دولة من الهيبة يكمن في بأس جيشها وعنفوانه، لا حصانة ولا مناعة لدولة تُفرّط في قدر جيشها وقدرته وتبخس حقه في احتكار القوة وتقزّمه أو تراه غولاً يتحيّن فرص الإنقضاض على مدنية الدولة.
والدولة التي تسعى لاستبدال جيشها هي في الحقيقة لا تفعل شيئاً سوى تحقيق مبتغى ومراد من يتحين فرص احتلالها والنيل من كرامة ونعماء أهلها والظفر بثرواتها ومداها.
إنّ شواهد التاريخ كثيرة تلك التي تبيّن مصائر دولٍ إنتهت إلى الإحتلال؛ كانت جيوشها عاجزة مهينة، مُستضعفة صغيرة الهمّة.
وما نشهد عليه اليوم من أحداث تُظهر كيف تبدو الدول الضعيفة كقطع "دومينو" تسقط مع أوّل وكزة إصبع خارجي وعرضة للغزو والنهب والاستلاب بلا ميقات.
وكيف تبدو الدول التي تملك جيوشاً جبّارة دولًا عزيزة مُصانة مهابة مبجّلة لا أحد يفكّر في أن يقترب من حدودها أو يهدد كيانها أو يقدح فيها شرر الأزمات ليأخذ أهلها إلى الجحيم والمصائب.
دعونا نمحّص الأشياء بكُنه طبعها، وطبع أي جيش أن يكون درعاً واقياً بهمّة منتسبيه ومؤسساته لا يُبخس حقه في إمتلاك أعتى الأسلحة وفرص التدريب والتأهيل، وبعيداً عن المناكفات السياسية وألاعيب ما يجري في دهاليز السلطة ودكاكين الساسة، وأن تكون عقيدة هذا الجيش مبنية على الدفاع عن الوطن وحمايته من الأعداء؛ يُحشد لنيل النصر في ساحات المعارك ولا يسمح لسياسي أن يستميله إلى جبهة إقتتال محلي ويحسبه على ما حاقت برأسه من أجندة، أو يجعله مطيّة لمطامع حزبية أو غايات شخصية بُغية المكوث في السلطة بأن يستخدم بنادقه وجماجم أفراده جسراً لأطماعه.
الجيوش الواعدة هي تلك الجيوش التي تركت لها دساتير شعوبها أن تحتكر البنادق وأرست لها باقة من الحقوق والواجبات لايزاحمها فيها أحد، وأملت على أصحاب القرار ألّا يستنفدوا صلاحياتهم في تجاوز سلطاتهم ليجنّدوا مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية لتحقيق مآربهم.
الجيش الليبي كأي جيش بدأ بسيطاً ببنادق مهداة وآليات قديمة ومعدات غير ذات باعٍ، وتشكيلات على
هيئة مديريات، وكان لا يرقى إلى مستوى الجيش الذي يمكنه القيام بمهامه على أكمل وجه؛ كان جيشاً على قدر الدولة وقتها، رمزياً لا يقوى على التحدّي وتركز وجوده في معسكرات شيّدها مستعمرون، يشهد له الليبيون بانضباطه وحسن قيافته وهوان عضده، وبعد سنوات إنتقل هذا الجيش إلى مرحلة كان فيها أكثر عدداً وقوّة؛ تخرّج ضباطه من أرقى المعاهد والأكاديميات في الشرق والغرب، وامتلك آلاف العربات والدبابات ومئات الطائرات والصواريخ وعشرات القطع البحرية والقواعد الجوّية، وصنع لنفسه تواجداً حيوياً في كامل ربوع الوطن،وشارك في أنشطة عسكرية ومهام في مناطق مختلفة عديدة.
أعود وأقول أن سرَّ قوة أي دولة يكمن في قوة جيشها وشدة سياطه وسطوته، وما يتملّكه من عنادٍ لمواجهة كيد الأعادي ومكائد أذرعهم وذيولهم.