انتهى الجزء الأول من اليوميات بعد وصولي إلى منطقة (مهاجرية) والإلتحاق بمجموعتي هناك وشمل الجزء السابق أيضاً مراحل تنقل المجموعة الثانية من المراقبين العسكريين الليبيين في دارفور ،
وفي هذا الجزء أرى إنه من المهم للقارئ أخذ فكرة عن طريقة عمل قوات حفظ السلام في مناطق النزاعات المسلحة قبل أن ندخل في الحديث عن تفاصيل بعض الأحداث لأن ذلك سيساعد في تفهم المواقف وردات الافعال عند تأزم الظروف التي قد يواجهها المراقب الدولي في تلك المناطق على أساس أن ما يحدث في دارفور هو جزء مما يحدث في كل مناطق النزاعات المسلحة في العالم مع مراعاة أن كل منطقة ومشكلة تنفرد بخصائص مختلفة عن غيرها ، إلا أن عمليات حفظ السلام تتشكل في العادة من العناصر التالية: 1ـ المسئول الدبلوماسي السياسي ومعاونيه :
واجباته المفاوضات السياسية والإشراف والسيطرة المباشرة والتحكم في الجهاز الإداري والمكاتب التابعة له .
2 .الإدارة المدنية:
وتتكون من موظفين مدنيين بالمهمة والموظفين المحليين العاملين مع قوات حفظ السلام ، وواجبها العمليات المتعلقة بالإمداد بالمهمات والمواد الغذائية وخدمات النقل والصيانة والأعمال الإنشائية الهندسية وخدمات الطيران وإعداد الميزانيات والخدمات المالية والصحية والبريد وغيرها .
3 .القوات العسكرية:
تتكون من كتائب عسكرية مسلحة تسليحاً خفيفاً ( حسب المهمة ) لها هيكل تنظيمي خاص وملاك يوفر عدداً من الفصائل لحراسة المواقع ومراكز المراقبة والقيادة والدوريات البرية وعمليات الإصطحاب ( المرافقة ) .
4 . المراقبون العسكريون :
وهم مجموعة من الضباط يعملون في مجموعات / فرق غير مسلحة مهمتهم تقصي الحقائق والإشراف على الإتفاقيات ومراقبة الحدود ومناطق وقف إطلاق النار والإتصال مع الأطراف المتنازعة ومفاوضتهم وكتابة النتائج في تقارير .
5 .الشرطة المدنية :
تنظم في مجموعات / فرق غير مسلحة ومهمتها حفظ القانون والنظام ورصد الأنشطة القانونية التي يقوم بها المسؤلون المحليون والإشراف على معسكرات اللاجئين وعلى تنظيم وتدريب الشرطة المحلية وجميع واجبات الشرطة المدنية من تحقيق في قضايا القتل والسرقة والإغتصاب وغيرها.
6 .فريق الإنتخابات :
وهم مجموعات صغيرة مهمتها تنظيم والإشراف على الإستفتاء أو الإنتخابات والتأكيد للمجتمع الدولي نزاهة الإنتخابات من عدمها .
7 .فريق المساعدات الإنسانية:
هم مجموعات من المدنيين مهمتها توزيع الأغذية وتوفير الإمدادات الطبية ومشاريع البنى التحتية والتعمير.
8 . فريق حقوق الإنسان :
مجموعات من المدنيين تعمل تحت قيادة ممثل من مفوضية حقوق الإنسان مهمتها كل الأنشطة المتعلقة بحقوق الإنسان مثل مراقبة حقوق الإنسان والحريات الأساسية ومنع إنتهاك حقوق الإنسان وتنفيذ البرنامج التعليمي لحقوق الإنسان والتحقيق في حوادث إنتهاك حقوق الإنسان ومتابعتها .
ولمواجهة التحديات التي تواجه الأمم المتحدة تم تحديد 7 تصنيفات لجهود الأمم المتحدة في المستقبل لإعادة السلام والأمن الدوليين ، وهذه التصنيفات تبين مدى التعقيد في نشاطات حفظ السلام وتعطي فكرة على كيفية قدرة العالم على تحقيق أهداف ميثاق الأمم المتحدة وهي :
1 . الدبلوماسية الوقائية :
وهي إجراءات للحد من تزايد الخلافات بين الاطراف وتفادي تصعيدها ومنع حدوثها
2 . صنع السلام :
وهو إجراءات دبلوماسية الهدف منها الوصول بالأطراف المتنازعة إلى إتفاق عن طريق المفاوضات بالطرق السلمية .
3 . حفظ السلام :
وهو تواجد قوات دولية لحفظ السلام في أرض النزاعات وبرضاء الأطراف المتنازعة لتنفيذ أو مراقبة تنفيذ الإتفاقيات ولإيجاد الحلول المؤقتة أو الدائمة وتأمين وصول المساعدات الإنسانية .
4 . فرض السلام :
في حالة فشل كل الخيارات السلمية تدعو الحاجة في بعض الأحيان لعمليات فرض السلام ، وتكون تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ويشمل استخدام القوات المسلحة لحفظ أو إعادة السلام والأمن الدوليين عندما يرى مجلس الأمن وجود تهديد للأمن أو في حالة وجود عدوان مسلح
5 . بناء السلام :
وهو دعم وتعزيز السلام وبناء الثقة والتفاعل الإيجابي بين الأعداء السابقين لمنع العودة للنزاع من جديد ، وهي مرحلة حرجة لانها حصيلة لخاتمة النزاع .
6 . العقوبات :
وهي إستخدام كل الإجراءات باسثتناء القوة لتأمين وحفظ السلام الدولي ، ويتم اللجوء لهذا الإجراء لتأكيد الغرض من المقاطعة وهو تقويم سلوك الطرف الذي يهدد السلام والأمن الدوليين وليس العقوبة
7 . نزع السلاح :
وهو تجميع الأسلحة والسيطرة عليها والتخلص منها وهذه العملية تتوافق مع بناء السلام التي تحدث بعد انتهاء النزاع وقد تحدث عملية نزع السلاح باستخدام القوة .
بدأ العمل بميثاق الأمم المتحدة في عام
1945 وهو يمثل رأي الدول المؤسسة للأمم المتحدة والمرجعية الأساسية لمكونات الأمم المتحدة لتمكينها من الإلتزام بمسؤلياتها ، ولن أتطرق لكل الميثاق وأنما ساذكر منه هنا ثلاثة فصول خاصة بعمليات حفظ السلام وهي :
1 . الفصل السادس :
يكرس لإستخدام الوسائل السلمية مثل المفاوضات ولجان التحقيق والوساطة والمصالحة والتحكيم لوضع نهاية للنزاع وتقديم المقترحات وبذلك نفهم ان قرارات ومقترحات مجلس الأمن لإنهاء النزاع تتوقف على أطراف النزاع أنفسهم،ومن المهم معرفة أن القوات الأفريقية والأمم المتحدة في دارفور تعمل تحت هذا الفصل
2 .الفصل السابع :
ينص على استخدام القوة للتعامل مع الأعمال العدوانية ومايهدد السلام ، وقبل اللجوء لإستخدام القوة يمكن مخاطبة الأطراف المتنازعة للإلتزام بالإجراءات القانونية التي قد تشمل (المقاطعة الإقتصادية الكاملة أوالجزئية / قطع الإتصالات / قطع العلاقات الدبلوماسية ) .
3.الفصل الثامن:
يشجع على التسويات للتوصل للحلول السلمية للمنازعات قبل إحالتها إلى مجلس الأمن .
وفي الوقت الذي نجد فيه إن الجندي المقاتل يتم تدريبه على القتال لمواجهة القوة بالقوة فأن النهج والسلوك المطلوبين من الأفراد العاملين في قوات حفظ السلام مسألة صعبة وحساسة جداً وتستحق توضيحاً خاصاً ، فجنود حفظ السلام لا يرسلون لدعم أحد الأطراف ولكن ينتشرون في مناطق النزاع كطرف محايد في الصراع ، لذلك يجب على العسكري التابع لهذه القوات أن يعرف إنه سفيرٌ للجهة التابعة لها المهمة ولبلده وأن يضع في إعتباره أن السلوك الجيد والسيطرة على النفس هما الطريق إلى الآمان وعليه أن يكون مستعداً للعمل 24 ساعة في اليوم و7 أيام في الأسبوع ويجب أن يتحكم في تصرفاته وكلامه لأنهما محل مراقبة دائماً وقد تنعكس تصرفاته على أداء المهمة .
ان نجاح أي مراقب دولي يعمل في حفظ السلام يعتمد على المرونة والصبر والحساسية في التعاملات اليومية فهي أهم من التدرب على القتال لتحديد نجاح أي مهمة ، فوسيلته هي فن التفاوض والوساطة وليس السلاح لأن عمليات حفظ السلام عمليات سياسية وليست عسكرية فهي في العادة من إختصاص الدبلوماسيين والسياسيين بالرغم من أنها تنفذ عادة بواسطة العسكريين لإنه غالباً ما تنشأ ظروف تحتاج من الأفراد العاملين على الأرض القيام بالدور الذي يقوم به الدبلوماسيون مثل تسوية الخلافات والجمع بين الأطراف المتنازعة وتهدئة الإنفعالات والمراقبة وتقديم التقارير وغالباً مايتم السيطرة على الأوضاع المتأزمة وحلها وتفـادي التصعيـد مـن قبـل المجموعات والأفراد العاملين على الأرض أكثر مما يتم بواسطة المستويات العليا ، والوسيلة الوحيدة التي يدافع بها المراقب العسكري عن نفسه إذا وجد في منطقة تبادل إطلاق نار هي الإلتزام بالقواعد الأربعة وهي :
1 . الحياد :
أن يكون محايداً وعادلاً وذلك بعمله كجسر بين الأطراف وأن يكون صبوراً ودبلوماسياً وأن يكون هادئاً ويكبح مشاعره حتى تتحقق النتائج المطلوبة فبناء سلام دائم عملية بطيئة وتحتاج لمجهود كبير.
2 .النزاهة :
( وتتمثل في العمل بقوانين المهمة وتقبل القيود في الحياة العامة والخاصة والتقيد بالقوانين واللوائح التنظيمية للدولة المضيفة وتفادي الأنشطة التي لاعلاقة لها بالمهمة والإمتناع عن قبول الهدايا وتسديد جميع الإلتزامات المالية قبل انتهاء الخدمة.
3 . الولاء :
(يجب أن يكون الولاء لأهداف المهمة وعليه يجب تفهم وتقبل وجهات النظر والإختلاف في العادات والثقافات ويجب التعامل مع جميع الأشخـاص دون تعصب أو تحيز لجنسية أو دين أو ثقافة أو سياسة معينة وممارسة ضبط النفس عند التعبير عن الأراء الشخصية).
4 . الإستقلالية.
(وذلك بعدم طلب أوتقبل تعليمات من أي حكومة أو أي سلطة إلا سلطة المهمة التابع لها) .
وفي القطاعات الثمانية التابعة للإتحاد الإفريقي في دارفور (بعد إستلام الأمم المتحـدة المهمـة هنـاك أصبحـت ثلاثـة قطـاعـات) يوجـد ثـلاث مجموعات عـمل (معسكرات) في كل قطاع على أقل تقدير وكل معسكر به مجموعة من الضباط المراقبين ومجموعة من الشرطة المدنية وقوات حماية بقوام سرية تقريباً ومجموعة الخدمات ، وبالعودة إلى رحلتي من رئاسة القطاع إلى مجموعة العمل التي تم تنسيبي لها نجـــد ان المسافـة مـن منـطقة الإلتــقاء ( إنجابو) إلى (مهاجرية) تبلغ حوالي 54 كم باتجاه الغرب والطريق إلى هناك تمر بطبيعة أراضي مختلفة وأصعبها مناطق السبخات والأراضي الطينية في موسم الأمطار والرمال عند إرتفاع درجة الحرارة وبصفة عامة طبيعة الأرض بالأقليم صحراوية والقيادة فيها تحتاج لخبرة خاصة نحن كعسكريين ليبيين نملكها وكثيراً منا يملك مهارات خاصة أيضاً والسبب طبيعة أرضنا الصحراوية وتوفر
السيارات ذات الدفع الرباعي في وحداتنا ونستخدمها للخدمات والتدريب والمشاريع والمهام ولأننا نتعلم القيادة في سن مبكرة لكثرة السيارات في مجتمعنا ، أنا أقول هذا لأن ما أكتشفته في هذه الرحلة وأكدته لاحقاً أن الخروج مع الدورية في سيارة يقودها أحد الزملاء الأفارقة هو نوع من العقوبة لذلك عندما التحقت بالمجموعة وباشرت العمل معهم كنت أقود سيارتي لوحدي عندما اكون آمراً للدورية وأطلب ذلك عندما أكون عضواً حتى أضمن رحلة بأقل متاعب
قبل أن نصل بحوالي عشرة كيلومترات أتصل آمر الدورية بالمعسكر وأبلغهم بتجهيز خيمة لمراقب جديد وكان يقصدني بالطبع وكانت هذه من مهام ضابط الإمداد (اللوجيستيك) وعند وصولنا وجهتنا بعد منتصف الظهر بقليل كنت مرهقاً وشعرت بالعطش ولم أجد أنه قد تم تجهيز الخيمة وطلب مني ان انتظره وطال انتظاري ولم يفعل فقد ماطلني مرتين بطريقة مستفزة وغريبة أيضاً ، كان أول شخص يحدث بيني وبينه سؤ تفاهم في المعسكر فهو لم يفعل حتى ذهبت إليه في مكتبه وبمجرد دخولي أغلقت الباب ورائي وكنت ممسكا بيدي حافظة المياه الباردة بحثاً عن بعض الثلج وتحضيره لوجبة الإفطار فوقف من مقعده وكأنه فهم أن الذي سيحدث هذه المرة سيكون مختلفاً عن المرتين السابقتين فقلت له وأذكر الجملة حرفياً : أنت ضابط سئ ، ولاأعرف ماالذي تقصده بتصرفك هذا إنما يجب ان تعرف إنني هنا من أجل السلام ولست هنا لأعادي أحد ولكني لاأمانع أن تكون أنت أول عدو لي في هذا المكان ، فرد مرتبكاً : أنا مريض بالملاريا ونسيت انك كنت تنتظرني فقلت له : أنا لست من جعلك مريضاً فهذه مشكلتك ومشكلتي إني أريد خيمة لأقيم فيها وهذا حقي وهو واجبك فرد : نعم ، نعم وخرج معي ليسلمني خيمة بها سرير ومرتبة وكرسيين وهذا كل شئ ، وللأمانة إن هذا الضابط قد تغير معي بشكل كبير بعد ذلك وكان كلما التقيته يقول لي ممازحاً : أنا أعرف إنني ضابط سئ حتى طلبت منه أن لايقول ذلك ثانية وأصبح يفضلني في بعض الميزات حتى إنه دفع بي لأحل محله كضابط إمداد ، ولم يكن ذلك خوفاً أو ضعفاً منه حسب رأي وإنما عتراف بالخطأ ونوع من الإعتدار ، ولأن الخيمة لم يكن بها شئ فقد أشتريت لاحقاً من السوق مخدة وفرش أرضي ودولاب ملابس ميداني أشتريته من أحد المراقبين الذين أنهوا مهمتهم وايضاً حصلت منه على طاولة ومروحة وأشتريت معدات ومواد للطبخ بالرغم من إنني لست خبيراً في الطبخ والتعليمات تمنع ذلك داخل الخيام إلا ان سؤ نوعية الوجبات المقدمة جعلني أحاول ذلك .
كان من ضمن واجبات ضابط العمليات إصطحاب أي مراقب جديد في جولة لتعريفه على مرافق الوحدة وهذا ما فعله معي وكان المعسكر يتكون من 25 خيمة فردية خاصة بالضباط المراقبين العسكريين و 14 خيمة كبيرة لإفراد قوات الحماية و5 خيم فردية وثلاثة كبيرة للشرطة المدنية ومبنى مقر إداري للمراقبين وقوات الحماية ومبنى مقر إدارة الشرطة المدنية وغرفة للعمليات وصالة أكل للمراقبين والشرطة وصالة أخرى للأفراد ومغسلة وورشة ومضخة وقود ومولدين للكهرباء ومقر إدارة وإقامة أفراد الخدمات وخيمة كبيرة بها تلفزيون ومسجد وكنيسة وحمامات للضباط وأخرى للأفراد وثالثة للسيدات وبعد انتهى الجولة وإستلام الخيمة ذهبت لتنظيفها ورتبت أشيائي فيها قدر المستطاع وكان الجو حاراً جداً والكهرباء مقطوعة بسبب عطل أحد المولدين لذلك فيتم تشغيل الأخر ليلاً فقط وعدم وجود المياه كنتيجة تبعية لعدم وجود الكهربا وربما لحسن حظنا وجود شجرة داخل سياج المعسكر فكانت لنا كالماء في الرمضاء ، فهناك يكفي أن تكون في الظل حتى تشعر بالراحة،حتى المسجد المغطى بالصفيح كان ملاذاً بارداً لنا في النهار ، مر الوقت وجاء موعد الإفطار فدعاني الممثلون السودانيون للحكومة والمعارضة والمترجميــن للإفــطار معهم وقد فعلت إلا إني أكثرت من شرب السوائل لأنني كنت عطشاناً ، كما إني في الحقيقة لم أعْــَتدْ عـلى الأكـلات الشعبـية هنـاك وكنت أعتمد على التمر المعجون الذي أحضرته معي والحليب المجفف وكانوا متفهمين لموقفي ولذلك وفي الأيام التالية كنت أبدأ إفطاري معهم تم أذهب إلى المطعم ، وكان الضباط المراقبين قد أشتروا على حسابهم تلفزيون وجهاز استقبال القنوات الفضائية على حسابهم الخاص فاشتركت معهم وكانت فكرة جيدة لقضاء بعض أوقات الفراغ والتواصل مع العالم من خلال الأخبار .
يوم السبت 7 . 10 . 2006 في الصباح لم يكن هناك عمل معين وفي المساء الساعة الخامسة كان موعد الإجتماع اليومي مع آمر المجموعة كان آمر المجموعة ضابط برتبة مقدم من البحرية الغانية وكان عسكرياً وحازماً في تصرفاته والمجموعة تتكون من رائد من زامبيا كضابط عمليات ورائد طبيب من زامبيا كضابط إداري ورائد طيار مقاتل من الكاميرون ضابط الإمداد ونقيب من غامبيا ضابط العمليات الجوية ونقيب من نيجيريا ضابط النقلية ورائد من موريتانيا كضابط أمن وضابط من التوغو كمنسق مع المنظمات الإنسانية ونقيب من الغابون ويمثل الحكومة السودانية مقدم ركن ونقيب ويمثل حركة جيش تحرير السودان الضابط الذى أتى معنا من الضعين (ع.ش) ومقدم أخر كان موجوداً أصلاً ورائد يمثل حركة الإرادة الحرة ورائد يمثل الولايات المتحدة الإمريكية ومترجم يعمل مع المراقبين وأخر يعمل مع الشرطة ، والإجتماعات أنواع فهناك الاجتماع المعروف الذي يتم تحديد موعده وموضوعه حسب الموقف وهناك إجتماع المهمة ( الدورية ) ويحضره الضباط المراقبون الذاهبون في الدورية ومنذوب عن أفراد الشرطة الذاهبين في الدورية وآمر فصيل الحماية المرافق للدورية والمترجم والممثلون وآمر المجموعة وهناك الإجتماع اليومي الذي له موعد محدد تابث ويحضره جميع الضباط المراقبين وآمر المجموعة وآمر الشرطة وآمر قوات الحماية والممثلون ومترجم .
في إجتماعنا اليومي هذا قدم لي لحاضرون أنفسهم وعرفت عن نفسي وبعد ذلك تم عرض الموقف الأمني الذي تبين منه أنه بعد الهجوم الأخير لقبيلة (المعاليا العربية) علــى مناطـق ( انجابـــو ) و( المتـورد ) و( بركة ) تراجعوا إلى الجنوب وأخذ السكان بتلك المناطق في العودة بعد ان تم طردهم من قراهم ولم نستلم تعليمات بخصوص الدوريات الطويلة ولكن يجب تواصل الدوريات المحلية التي تعني القرية ومعسكرات النازحين والأطراف المحيطة بها وبصفة عامة الوضع الآن من ولكنه ليس مستقراً تم أعطى آمر المجموعة تعليماته لضابط العمليات (للإختصاص) بإدراج اسمي وممثل الحركة ( ع.ش ) في جميع الدوريات لمدة اربعة عشر يوماً باعتبارنا جدد على المجموعة والمنطقة ولم يلق ذلك أستحساناً من ممثل الحركة ولكني أرتحت لهذا القرار فقد كنت أفضل أن أشغل كل وقتي في العمل لمعرفة الكثير في وقت قصير كما أنه ليس المكان المناسب لأشعر فيه بالفراغ فقد كان الضغط النفسي له تأثيره السلبي على المعنويات أكثر من أي شئ أخر .
يقسم الضباط المراقبون في مجموعة عمل (مهاجرية) إلى فريقين يكون أقدم الضباط قائداً للفريق ويضم كل فريق ايضاً ممثلاً عن الحكومة السودانية وممثلاً عن حركة جيش تحرير السودان ومترجماً كما يتبع مجموعتنا فريق عمل ثالث يعمل مستقلاً في معسكر بمنطقة ( لبدو ) التي تبعد 23 كم شمال غرب معسكرنا والمنطقة تقع تحت سيطرة نفس الحركة المسيـطرة على ( مهاجرية ) ويقسم العمل بالتناوب بين الفريقين ، في الإجتماع اليومي في اليوم الذي يسبق يوم الخروج في الدورية يسلم ضابط العمليات أمر المهمة للضابط الذي تم اختياره لقيادة الدورية ولايشترط الأقدمية في ذلـك بل هـي بالتـناوب وحسـب القدرة يحتوي أمـر المهـمة عـلى المعلومات الرئيسية كنوع المهمة والمسافة والإتجاه والإحداثيات للمنطقة المتجهين لها ووقت إجتماع الدورية ووقت تحركها وتسلم نسخة من هذا الأمر لآمر قوات الحماية لتكليف فصيل بالخروج مع الدورية ونسخة أخرى للشرطة لتكليف مجموعة بالخروج مع الدورية أما المترجم والممثلون فعلى آمر الدورية إبلاغهم بموعد الدورية وإبلاغ المراقبين الذين يريدهم أن يذهبوا معه ، وفي اليوم التالي صباحاً وحسب التوقيت الموجود بأمر المهمة يجب أن يحضر إلى حجرة العمليات الضباط المراقبون الذاهبون في الدورية فقط دون الضباط المراقبين الآخرين الذين من المفترض أنهم يسيرون الإدارة وأقدم ضباط الشرطة الذاهبين في الدورية وآمرفصيل الحماية وممثلي الحكومة والحركة والولايات المتحدة الامريكية والمترجم ، بعد تواجدهم جميعاً يأتي آمر المجموعة وبمجرد دخوله يعطي الأدن لآمر الدورية بالحديث فيبدأ الحديث بنوع المهمة الذاهبون لها والمسافة والإتجاه والإحداثيات وطبيعة الأرض والوضع الأمني المتوقع طوال الطريق تم يعطي علامات النداء التي ستستخدم ومكان كل سيارة والمسافة بين السيارة والاخرى والسرعة التي ستسير بها الدورية وتحديد المسئوليات للضباط المرافقين له كقيادة السيارات والتصوير والتسجيل الذي عادة يطلب من الجميع فكلما زاد عدد الذين يسجلون ما يشاهدون ويسمعون كلما إزدادت دقة المعلومة ، تم يعطي المجال لمندوب الشرطة وآمر فصيل الحماية والحاضرين لأبدأ الرأي والملاحظات تم يعطي ضابط العمليات المعلومات الامنية المتعلقة بالمنطقة الذاهبين إليـها ويختـم آمـر المجموعـة الإجتماع بالتعليمات الخاصة باتباع إجراءات تحوطات الأمان ويعطي تعليماته الأخرى إن وجدت ، كل هذا يجب أن لا يتجاوز العشرين دقيقة وفي خلال ذلك الوقت يقوم أفراد قوات الحماية والشرطة بتجهيز السيارات وكل من سيذهب معهم وبمجرد خروج الضباط من الإجتماع يأخذ كل شخص محله ويتمم آمر الدورية باللاسلكي على جميع المحطات (السيارات) وإذا كان كل شئ على مايرام يعطي الأمر إلى أول سيارة بالتحرك وتكون سيارة أمر الدورية في العادة في الوسط إلا إني أفضل أن تكون سيارتي الأولى عندما أكون آمراً للدورية فذلك يجعلني اتحكم في سرعة الدورية كما أني أفضل أن أكون أول المتعاملين مع المواقف التي قد تحدث في المقدمة فلاأريد أن يتسبب أحدهم في مشكلة أكون مسئولاً عنها فانا لا أثق كثيرا في تصرفات البعض بسبب الإختلافات في اللغة والدين والثقافة وكل شئ وهذا من شأنه أن يخلق سؤ تفاهم قد يؤدي إلى مشكلة ، وخلال تحرك الدورية يكون آمر الدورية وهو من المراقبين آمراً للدورية ومسئولاً عنها حتى رجوعها إلى المعسكر وواجب المراقبين التحدث مع القادة والعمد والمشائخ في تلك المناطق وواجب افراد الشرطة التحقيق في الجرائم الجنائية وواجب قوات الحماية حماية أفراد الدورية عند الحاجة وواجب الممثلين السودانيين تدليل الصعاب للدوريات في المناطق التي يسيطرون عليها وممثل الولايات المتحدة كان يخرج في بعض الدوريات فقط ويعمل لوحده في هذه المجموعة ودور المترجم لا يحتاج لتوضيح ويستثنى من الخروج في الدوريات آمر المجموعة الذي يخرج في بعض الدوريات فقط وضابط العمليات في حالة عدم وجود ضابط أخر معه نظراً لإلتزامه بإرسال تقارير يومية عن الأوضاع الأمنية عن طريق الإنترنت أو اللاسلكي إلى رئاسة القطاع في أوقات محددة لا يمكن تغييرها .
وتقسم المناصب داخل المجموعة أيضاً على الفريقين فهناك ضابط العمليات
وضابط عمليات ثان والضابط الإداري وضابط إداري ثان وهكذا بالنسبة لضابط الإمداد والنقلية والعمليات الجوية والإستخبارات وبذلك يوجد بكل مكتب أثنين من الضباط لأداء نفس العمل ولايتم
وضعهم في نفس الفريق ولا يمكن إعطاؤهم إجازة في نفس الوقت فاإذا خرج أحدهم في دورية أو إجازة أو غيره فالأخر موجودٌ مكانه وبذلك لا يتوقف العمل بسب العمل عند وصولي كان هناك تبديل لقوات الحماية ووجدت أخر مجموعة منهم التي ستغادر غداً وكانت مدة عمل قوات الحماية ستة أشهر فقط وليس سنة كالمراقبين والشرطة .
وكان يحد المعسكر من الشرق والشمال وادي به أشجار كبيرة وهذا الوادي يستمر في الجريان لمدة شهر كامل في موسم الامطار حتى تظنه نهراً عندما تراه للمرة الأولى ، ومن الغرب مجموعة بيوت بعضها ملتصق بسياج المعسكر والبيوت هي عبارة عن سياج وبداخله مجموعة حجرات وكل هذا مبني بالمواد المحلية ( أغصان الشجر والقش ) ، ومن الجنوب حيث البوابة الرئيسية توجد أرض فضاء محاطة بالأشجار تستخدم كمهبط لمروحيات الإتحاد الإفريقي والأمم المتحدة ويبعد المعسكر حوالي ثلاثة كيلومتر عن مركز القرية أي السوق ومكان الخدمات حيث يوجد مكتب بريد للإتصالات المحلية والدولية بإمكانيات محدودة وتقديم الخدمات متوقف على الوضع الأمني مما يعني إن الإتصالات شبه معدومة وعند توفرها بالطبع فالسعر مرتفع ، وبها مجموعة من محلات المواد الغذائية والملابس والمواد المنزلية والصناعات اليدوية وصيدلية وقرطاسية وكلها تقدم الخدمات بشكل محدود حسب الإمكانيات ويوجد سوق خاص بالمواشي وأخر خاص باللحوم ونظراً لتوفر الثروة الحيوانية في دارفور كانت الأسعار رخيصة إلا إن إنتشار القوات الإفريقة والمنظمات الإنسانية هناك ساعدت على زيادة الأسعار بشكل كبير ، وتتواجد بالقرية منظمة أطباء بلا حدود المعروفة ويعمل أفرادها بمستشفى القرية وفي دوريات مترجلة وراكبة ومنظمة التضامن الفرنسية للمساعدات الإنسانية التي تقوم على توزيع المساعدات واستخراج المياه والإشراف على الآبار ومساعدة النازحين ، ويوجد بمركز القرية أيضاً مكاتب القادة العسكريين للحركة ومركز شرطة القرية التابع للحركة ، ومكتب الشئون الانسانية بالحركة ، كما يوجد بالقرية معسكران للنازحين أحدهما في الجنوب والآخر في شمال القرية باللإضافة لمدرسة للاولاد وأخر للبنات ويبلغ عدد سكان القرية وضواحيها حوالي 25 الف نسمة أغلبهم من قبائل الزغاوة والفور والبرقد كما يوجد حي صغير لقبيلة ( الدنكا ) الجنوبية التي لجأت إلى هذه القرية سنوات حرب الجنوب ومنحوا مساحة من الأرض ليقيموا عليها الحي الذي أصبح يعرف في ما بعد بأسم حي الدنكا حتى قرروا العودة لاحقاً في عام 2007 عندما كنت هناك بعد توقيع إتفاقية سلام مع الحكومة واستقرار الوضع وقد كان يوماً تاريخياً بالنسبة لهم فلحظة العودة إلى الوطن لايمكن التعبير عنها بالكلمات مهما قلنا .
إذا كان القول ( من عاشر قوماً أربعين يوماً صار منهم ) صحيحاً فانا صرت من أهل ( مهاجرية ) تسعة مرات ، لقد عشت في هذه القرية لمدة ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وعاملني أهلها وكأنني واحداً منهم وكنت شاهداً على الكثير من مآسيهم وتألمت ومازلت لمعاناة االنساء والأطفال والشيوخ وأحس بسعادة عندما أراهم آمنين ويعيشون حياتهم البسيطة بحرية ، وبالرغم من معاناتهم كان كل من في هذه القرية يقابلني بالرضاء والترحاب وهذا جعلني أحس إني في بلدي ، وحتى بعد إنتهاء المهمة وعودتي كنت أحاول الحصول على أي معلومات عن هاته القرية وعرفت انه قد حدتث بها معارك عدة بين الفصائل المتمردة من جهة وبين الحكومة والمتمردين من جهة أخرى وثم قصفها من قبل الجيش السوداني بالطائرات وغيرها من الإنتكاسات الأمنة فقد كانت دائماً مسرحاً للمعارك التي تكون عادة فاصلة نظراً لموقعها الإستراتيجي ومكانتها بالنسبة لافراد الحركة وتواجد الكثير من القادة العسكريين بها وفي كل مرة يحدث فيها ذلك أسال الله ان يلطف بهم ويسلمهم وأتسائل يا ترى ماالذي حدث لفلان وذلك المكان وماالذي يحدث الآن وهكذا ، أنا قلق عليهم ليس لأنهم من الحركة أو القبيلة أو العقيدة الفلانية ولكن لأني كنت يوماً منهم فهي قريتي التي عشت فيها وهم أهلي الذين يعانون ، وفي هذه الأيام التي أكتب فيها هذا المقال يجتمع القادة السياسيون للإتحاد الإفريقي في ( أديس أبابا ) لمناقشة القضايا الأفريقية تزامناً مع تأزم الأحداث في (مهاجرية) فكان لها نصيب في هذه المناقشات فقد ذكرت المصادر إن الحكومة السودانية طلبت من بعثة الأمم المتحدة في مهاجرية (المجموعة التي كنت تابعاً لها) المغادرة وذلك تحضيراً للهجوم على القرية وطرد أفراد حركة العدل والمساواة منها ، وحتى لايختلط الأمر على القارئ عندما يسمع ذلك في الأخبار وهو قد عرف سابقاً أن (مهاجرية) تقع تحت سيطرة حركة جيش تحرير السودان أريد أن أوضح أنه قد حدتث معارك ومواقف ( سنذكرها في حينها ) غيرت الوضع على الأرض ، أتمنى أن يكون عاماً للسلام والأمن في مهاجرية ودارفور وكل أفريقيا فاهتمام الاتحاد الأفريقي وحكمته في وضع الحلول الجدرية لها يجعلني أتفاءل بالعام الافريقي القادم .