إن ظاهرة الحروب بين بني البشر قديمة جداً وستبقى ما بقيت الحياة وسيظل الجميع يخطط لتنمية قدراته من أجل تحقيق مصالحه والحفاظ عليها ،
والتجارب أتبتث أن أي خطة استراتيجية فعالة لا بد أن تكون مبنية على الخبرة والدروس المستفادة من الماضي لأنها الطريق لتخطيط استراتيجية المستقبل ، وأنا أبذل جهدي لأستعرض الأحداث التي عاصرتها دون ان اميل إلى إي اتجاه حتى إني أكتب الجمل التي تقال في الأحداث كما هي لأن الواقعية في سرد ما حدث في مثل هذه الحالات تعتبر أمانة لمن يكتبها وحق لمن يقرأ وغايتي هي سرد دروس من الماضي لنستفيد منها في التخطيط للمستقبل وبالتالي تحقيق المنفعة للجميع .وم الثلاثاء 31 . 10 . 2006 صباحاً خرجنا في دورية بإمرة آمر المجموعة إلى منطقة (لبدو) ورافقته أنا وضابط الإمداد والممثل الأمريكي وممثل الحركة والمترجم ومجموعة من الشرطة وكانت مهمتنا هي الاجتماع مع الإدارة الأهلية والقيادة العسكرية بالمنطقة في معسكر الاتحاد الإفريقي (بلبدو) ومثل الإدارة الأهلية عمدة (لبدو) وعن القيادة العسكرية حضر قائد منطقة (مهاجرية) وقائد منطقة (لبدو) وممثلي الحركة (بمهاجرية ولبدو) وممثل الحكومة (بلبدو) وكان الاجتماع بخصوص النظر في الشكوى التي تقدمت بها الإدارة الأهلية باسم سكان المنطقة ضد أصحاب الإبل التي تدخل إلى مناطقهم وتتلف محاصيلهم ، وبعد وصولنا بفترة قصيرة دخلنا إلى مكان الاجتماع وهو خيمة كبيرة مخصصة كصالة أكل تم تجهيزها كصالة لاجتماع اليوم ، وأذكر إنه في اليوم الأول لاستلام الضابط الحالي إمرة المجموعة (وهو مسيحي) فاجأني في أول اجتماع يترأسه بعد استلامه القيادة بطلبه أن أبدأه بطريقة إسلامية (حسب تعبيره) فقرأت الفاتحة وأصبح من العادة في بعض الاجتماعات أن يطلب مني ذلك وهذا ما طلبه مني في بداية اجتماع اليوم ولكني حولته إلى عمدة المنطقة الذي كان كبيراً في السن ومدرسا ً بالمرحلة الثانوية وبعد ذلك بدأ آمر المجموعة بتعريف من معه وكذلك فعل الطرف الأخر وبدأ العمدة بالكلام عن العرب الذين يمرون بحيواناتهم عبر مزارعهم وتكرار ذلك بالرغم من الشكاوى العديدة التي قدمت إلى بعثة الاتحاد الإفريقي والحكومة في (الضعين) كما إنه أشار إلى حادثة سرقة أبقار من منطقة (لبدو) وتقدر بحوالي خمسون رأسا كما إنه تطرق إلى موضوع آمر فريق (لبدو) السابق (الضابط الجزائري الذي تم استبعاده) وأتهمه بعدم التجاوب مع مشاكلهم واتهم الحكومة بدعم (الجنجاويد) لغرض طرد سكان المنطقة منها كما إنه تسأل عن جدوى وجود بعثة الاتحاد الإفريقي في المنطقة وما الذي تفعله مادامت غير قادرة على توفير الأمن للمواطنين ، كانت كلها مشاكل تستحق النقاش والإصغاء إليها ولكن طريقة إدارة الجلسة لم تكن ناجحة فسرعان ما أصبح الجميع يتكلم وتتكرر المواضيع حتى أصبح الاجتماع مملاً وسادته الفوضى فأنهى آمر المجموعة الاجتماع بتأكيده على ضرورة التعاون بين الاتحاد الإفريقي والإدارة الأهلية والقيادة العسكرية والعمل على نقل كل الشكاوى إلى رئاسة القطاع ، أما أنا فاكتفيت في هذا الاجتماع بالمراقبة وتدوين ملاحظاتي فقط ولم أشارك في أي موضوع طرح نظراً لحساسية الموقف وعدم انضباطية الجلسة ، وبعد الغذاء رجعنا إلى (مهاجرية) فوجدنا في انتظارنا ثلاثة موظفين من الأمم المتحدة كانوا قد جاءوا بواسطة مروحية فالتقينا بهم في حجرة العمليات وكانوا يبحثون عن أي معلومات تقودهم إلى إحدى سياراتهم التي فقدت في طريق (نيالا / الصليعة) ، وكنا قد رأينا اليوم صباحاً عندما كنا متحركين يوم الثلاثاء 31 . 10 . 2006 صباحاً خرجنا في دورية بإمرة آمر المجموعة إلى منطقة (لبدو) ورافقته أنا وضابط الإمداد والممثل الأمريكي وممثل الحركة والمترجم ومجموعة من الشرطة وكانت مهمتنا هي الاجتماع مع الإدارة الأهلية والقيادة العسكرية بالمنطقة في معسكر الاتحاد الإفريقي (بلبدو) ومثل الإدارة الأهلية عمدة (لبدو) وعن القيادة العسكرية حضر قائد منطقة (مهاجرية) وقائد منطقة (لبدو) وممثلي الحركة (بمهاجرية ولبدو) وممثل الحكومة (بلبدو) وكان الاجتماع بخصوص النظر في الشكوى التي تقدمت بها الإدارة الأهلية باسم سكان المنطقة ضد أصحاب الإبل التي تدخل إلى مناطقهم وتتلف محاصيلهم ، وبعد وصولنا بفترة قصيرة دخلنا إلى مكان الاجتماع وهو خيمة كبيرة مخصصة كصالة أكل تم تجهيزها كصالة لاجتماع اليوم ، وأذكر إنه في اليوم الأول لاستلام الضابط الحالي إمرة المجموعة (وهو مسيحي) فاجأني في أول اجتماع يترأسه بعد استلامه القيادة بطلبه أن أبدأه بطريقة إسلامية (حسب تعبيره) فقرأت الفاتحة وأصبح من العادة في بعض الاجتماعات أن يطلب مني ذلك وهذا ما طلبه مني في بداية اجتماع اليوم ولكني حولته إلى عمدة المنطقة الذي كان كبيراً في السن ومدرسا ً بالمرحلة الثانوية وبعد ذلك بدأ آمر المجموعة بتعريف من معه وكذلك فعل الطرف الأخر وبدأ العمدة بالكلام عن العرب الذين يمرون بحيواناتهم عبر مزارعهم وتكرار ذلك بالرغم من الشكاوى العديدة التي قدمت إلى بعثة الاتحاد الإفريقي والحكومة في (الضعين) كما إنه أشار إلى حادثة سرقة أبقار من منطقة (لبدو) وتقدر بحوالي خمسون رأسا كما إنه تطرق إلى موضوع آمر فريق (لبدو) السابق (الضابط الجزائري الذي تم استبعاده) وأتهمه بعدم التجاوب مع مشاكلهم واتهم الحكومة بدعم (الجنجاويد) لغرض طرد سكان المنطقة منها كما إنه تسأل عن جدوى وجود بعثة الاتحاد الإفريقي في المنطقة وما الذي تفعله مادامت غير قادرة على توفير الأمن للمواطنين ، كانت كلها مشاكل تستحق النقاش والإصغاء إليها ولكن طريقة إدارة الجلسة لم تكن ناجحة فسرعان ما أصبح الجميع يتكلم وتتكرر المواضيع حتى أصبح الاجتماع مملاً وسادته الفوضى فأنهى آمر المجموعة الاجتماع بتأكيده على ضرورة التعاون بين الاتحاد الإفريقي والإدارة الأهلية والقيادة العسكرية والعمل على نقل كل الشكاوى إلى رئاسة القطاع ، أما أنا فاكتفيت في هذا الاجتماع بالمراقبة وتدوين ملاحظاتي فقط ولم أشارك في أي موضوع طرح نظراً لحساسية الموقف وعدم انضباطية الجلسة ، وبعد الغذاء رجعنا إلى (مهاجرية) فوجدنا في انتظارنا ثلاثة موظفين من الأمم المتحدة كانوا قد جاءوا بواسطة مروحية فالتقينا بهم في حجرة العمليات وكانوا يبحثون عن أي معلومات تقودهم إلى إحدى سياراتهم التي فقدت في طريق (نيالا / الصليعة) ، وكنا قد رأينا اليوم صباحاً عندما كنا متحركين المفقودة وقد طليت بمادة كالطين وابلغهم آمر المجموعة بهذه المعلومة فطلبوا منا مرافقتهم للقاء قادة الحركة فأرسل معهم أحد المراقبين وبعد فترة من الزمن ليست بالطويلة عادوا دون الحصول على أي معلومة مفيدة فغادروا على متن طائرتهم إلى (نيالا) .
لقد كانت ظاهرة خطف سيارات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية العاملة في دارفور ومن بعدهم الاتحاد الإفريقي وقوات (الهجين) غير منتشرة بالرغم من تسجيل بعض الأحداث إلا إنها انتشرت بشكل كبير فيما بعد ، وقد قتل البعض من سائقي هذه السيارات والدافع هو المال لأنها أصبحت مصدراً للرزق فكل مجموعة تقوم بالاستيلاء على سيارة يبيعونها بثمن باهظ لأحدى الحركات المتمردة ويتقاسمون المبلغ فيما بينهم وكان في بعض الإعتداءات الأخرى رسائل واضخة عن عدم الرضاء ، وهذا زاد من أعباء المهمة فبعد أن كان في الإمكان إرسال سيارة واحدة في مهمة أصبح لابد من حماية السيارة التي تخرج باستخدام سيارات أخرى وأفراد لحمايتها.
حتى ممثلي الحركات بالاتحاد الإفريقي الذين كان يسمح لهم بقيادة السيارات في بداية المهمة صدر قرار بمنعهم من ذلك وسحب رخص القيادة منهم ، لذلك اليوم مساءاً طلب مني ممثل الحركة إيصاله إلى منزله وعندما كنا في الطريق إلى هناك وقبل أن ندخل للقرية بقليل خرجت من أمامنا وفي مكان تتعدر فيه الرؤية سيارة للحركة وبها أفراد يركبون من الخلف وأرجلهم تتدلى للخارج وقطعت الطريق من أمامنا فجأة وبسرعة جنونية فحاولت تفادي الاصطدام بها ولكنني عجزت عن إيقاف السيارة التي انزلقت وصدمت سيارتهم من الخلف وقد رفع الأشخاص الموجودين بالسيارة أرجلهم في لحظة حرجة وبعد أن وقفت سيارتهم قفز اثنان منهم من السيارة واتجها نحونا وهم يصرخون ولم افهم إلا جملة واحدة (مالك .. ما تشوف ؟) وفي الحقيقة أنا كنت (أشوف) جيداً وأقود بسرعة اعتيادية ولكن السرعة والطريقة التي قطعوا بها الطريق أمامنا كادت أن تجعل الحادث مأساوياً ، لقد كانت هذه هي طريقتهم في القيادة سرعة مبالغ فيها فسالت عن السبب فيما بعد فقالوا حتى لا تكون السيارة هدفاً سهلاً ، وقد يكون هذا منطقياً في ساحات القتال ولكنه لم يكن مبرراً داخل شوارع القرى التي يستخدمها النساء والاطفال وحتى الحيوانات ، المهم عندما اقتربا منا ووجدا ممثل الحركة معي اعتذرا وانتهى الموقف بسلام ، وبعد رجوعي للمعسكر علمت بتوقع حدوث قتال في منطقة(شاعرية) التي تقع شمال (مهاجرية) وتتبع لنفس رئاسة القطاع واحتمال وقوعها في (مهاجرية) وهذا زاد من تفسير النشاط غير الطبيعي لأفراد الحركة بالقرية وتم رفع درجة الاستعداد وإلغاء دورية كانت مقررة غداً إلى (إنقابو) .
لقد كانت بعثة الاتحاد الإفريقي تفقد الثقة بين قادة التمرد وأوساط المحليين تدريجياً حتى أصبحت تتمتع بسمعة سيئة ، أما بالنسبة للمواطنين قد يكون ذلك بسبب جهلهم لطبيعة مهمة الاتحاد الافريقي المتمثلة في مراقبة تنفيذ بنود اتفاقية تم توقيعها بين بعض الأطراف المتنازعة وليس من صلاحيات هذه البعثة الاشتباك مع قوات احد الأطراف إلا دفاعاً عن النفس ، اي إن من يفترض فيه تطبيق بنود الاتفاقية هم الأطراف المتنازعة أنفسهم ودور الاتحاد الإفريقي مراقبة تطبيق هذه الاتفاقية وهو يعمل تحت بند لا يخوله استخدام القوة أو فرض السلام ، قد لا يعلم المواطن العادي ذلك ولكن أنا استغرب عدم تفهم هذا الموقف من قبل القادة في الحركات المتمردة حتى تحول الأمر في بعض الأحيان إلى تحريض على هذه القوات ، كان الناس يطلبون حمايتهم في قراهم المترامية الأطراف على مساحة كبيرة من الأرض ولكن لم تكن إمكانيات البعثة تسمح بخوض معارك مع احد الأطراف وفي مناطق بعيدة عن القواعد الرئيسية (المعسكرات) ولم تكن من صلاحياتها فعل ذلك وكنا نطلب من المواطنين الذين يقطنون في مناطق معرضة للهجوم عليها المجئ بالقرب من المعسكر وكل من يصل ويبقى بالقرب من المعسكر نلتزم بحمايته ، وفي هذا الخضم من عدم التفهم لمهمة البعثة الأفريقية بدارفور كنت قد تأكدت أكثر من إن الناس العامة لا تفهم فعلاً طبيعة وجود هذه القوات في بلادهم وبعد أسابيع من استلامي منصب الضابط الإداري الثاني وعندما كنت اطلع على محتويات مكتب ضابط الإمداد (في حضوره) وجدت صندوقاً كبيراً من الكرتون مقفل بشريط لاصق ومن فتحة في الصندوق تبين لي إن محتوياته عبارة عن كتيبات صغيرة فسألته : ماذا يوجد بالصندوق ؟ فقال لي : لا أدري فقلت له : لا اصدق انك لا تدري ، أليس هذا من محتويات مكتبك ؟ فقال لي : نعم ، هذا الصندوق أرسل لي من رئاسة القطاع منذ فترة وطلب مني توزيع ما بداخله على المواطنين وقد أرسلت مجموعة منه في احد الدوريات ولانها مكتوبة باللغة العربية والمترجم غير موجود توقفت عن توزيعها لأنني لا أعرف ما كتب فيها ، ففتحت الصندوق وإذا بداخله لا يقل عن عدد خمسمائة كتيب صغير عبارة عن اتفاقية سلام دارفور مبسطة بشكل جميل يفهمه ابسط الناس تعلماً ومدعم برسومات توضيحية فقلت له ليس من الجيد أن لا تثق في رؤسائك ، فهم من أرسلوها لك لتوزعها وليس تحتفظ بها في مكتبك وليس من المفترض أن تعرف أنت محتواها ماداموا هم يعرفون ، لقد شعرت بغضب حيال تصرفه فخرجت من عنده إلى مكتب الآمر مباشرة ودون إثارة أي مشكلة قلت له إن هناك عدداً كبيراً من النسخ لاتفاقية (ابوجا) اعتقد إنها ستعمل على التخفيف من شدة الكراهية والعداء لنا بين المواطنببن لأنها تساعدهم على تفهم طبيعة مهمتنا وصلاحياتنا ومراحل تطبيق الاتفاقية وأبديت استعدادي لتولي أمر توزيعها فوافق على ذلك وأعطاني حرية التصرف فيها ، فأخذت مجموعة صغيرة ووزعتها على بعض من صادفتهم في السوق فاخذ الكثير منهم يبحث عني للحصول على نسخته فرجعت إلى المعسكر وأحضرت مجموعة أخرى ووزعتها بصعوبة من كثرة الناس التي تحاول الحصول على نسخة ، وفي اليوم التالي استهدفت شريحة الطلبة أمام المدرسة وفي يوم أخر معسكري النازحين وبعد ذلك أخذت معي وأرسلت مع أخرين نسخ لمناطق بعيدة أثناء الدوريات وهكذا حتى أكملت النسخ الموجودة ولا أبالغ إذا قلت إن هذا العمل وضع النقاط على الحروف لدى الكثير من المواطنين الذين أصبحوا أكثر وعياً بالاتفاقية ودور الوسطاء .
يوم الخميس 2 . 11 . 2006 صباحاً أبلغت بأنني سأكون في الدورية التي ستذهب الآن إلى (أم زعيفة) وهي منطقة تقع شمال غرب (مهاجرية) وتبعد حوالي 55 كم عنها وهي نقطة التقاء بين مجموعات عمل القطاع الثامن والثاني وبعد انطلاق الدورية وقبل أن نخرج من القرية اتصل بنا ضابط العمليات وطلب منا العودة وبعدها عرفنا إن الدورية القادمة من (نيالا) لن تأتي ، وأنا هنا إذ أسجل حتى الدوريات التي لم تكن في مستوى الأداء المطلوب ليس لغرض زيادة عدد السطور وإنما لتبيين الأخطاء التي تحدث في الدوريات وكيف إن بعضها يتكرر وبنفس الطريقة دون أن يتم الاستفادة من الأخطاء السابقة ، وفي الأيام التالية ونظراً للوضع الأمني لم نخرج في دوريات طويلة وأقتصر عملنا على الدوريات القصيرة (المحلية) فقد كان آمر المجموعة جديداً على المنطقة ويريد أن يكسب ود السكان المحليين وقادة الحركة التي تسيطر على الأرض واستطاع أن يسجل نقطة لصالحه عندما أمر بخروج دورية وكان آمرها يوم العيد بعد ساعات من الهجوم بالرغم من انه لم يكن ملزماً بما فعل بل كان يحظر عليه تعريض أفراد المجموعة للخطر وأراد أن يستثمرهذه النقطة للتقدم خطوات أخرى فخرجنا في دورية محلية يوم الأثنين 6 . 11 . 2006 إلى وسط القرية كان آمر المجموعة آمراً لها وخرجت معه أنا وأثنين آخرين من المراقبين والممثل الأمريكي وممثل الحركة وأربعة من أفراد الشرطة ولم يكن المترجم موجوداً في هذه الأيام فكنت من يترجم في حالة عدم وجوده ، وعند وصولنا وجدنا قائد قطاع جنوب دارفور بالحركة في انتظارنا ومعه بعض القادة وجلسنا لنتحدث عن الأوضاع الأمنية التي لخصها قائد القطاع في إن عرب المعاليا يهددون بحرق كل القرى التي تقع شرق (مهاجرية) والحركة في حالة نفير من اجل الدفاع عن المناطق التي تسيطر عليها ولتنفيذ ضربات لمقاتلي قبيلة (المعاليا) في مناطقهم والأوضاع الإنسانية تفيد بازدياد عدد النازحين الذين مازالوا يفرون من المناطق المهددة باندلاع معارك فيها مما سبب في زيادة الحاجة للمساعدات الإنسانية وعن الهجوم الأخير قال إنهم مازالوا لم ينتهوا من نتائج تحقيقاتهم ولكنهم سيردون بالطريقة المناسبة وقبل أن ينتهي الاجتماع فاجأنا قائد القطاع عندما قال انه تعبيراً منهم عن شكرهم للمجهودات التي يقوم بها آمر المجموعة فإننا قررنا أن نهديه ثوراً وسنرسله له في الأيام القادمة ففرح كثيراً بالهدية وشكرهم على ذلك ، ولم أكن راضياً عن قبوله الهدية ولم يكن يجدر به أن يقبل هدية من أي أحد ولكن لم يكن بإمكاني التدخل لمنع ذلك ، وبعد أن رجعنا ويبدو أنه فكر كيف سيأكل الثور تم طرح فكرته في اجتماع المساء اليومي فقال بأنه طبعاً لن يأكله لوحده وسنقيم حفلة عشاء في أحد الليالي ونتعشى الثور وفي أحد الاجتماعات الأخرى مع الجنود وضباط الصف أبلغهم نفس الشئ أيضاً لذلك أصبح الجميع ينتظر الليلة التي سيؤكل فيها الثور وتقام فيها حفلة لتغيير الروتين والشعور بالعزلة وأصبح سؤال الجميع الاعتيادي متى سيذبح الثور ؟
يوم الجمعة 9 . 11 . 2006 خرجنا قبل صلاة الجمعة في دورية محلية وكان فيها من المراقبين الفريق الذي اتبعه وآمر المجموعة وآمر قوات الحماية (بمهاجرية) ومجموعة من الشرطة ولم يكن معنا ممثلون سودانيون ولا مترجم وبعد الصلاة في مسجد القرية ذهبنا إلى قرية تدعى (مبروكة) وهي قرية صغيرة تابعة إلى (مهاجرية) وسكانها هم من طلبة حفظ القرآن الكريم وشيوخ ومدرسين بمعنى إنها مدرسة كبيرة لتحفيظ القرآن الكريم وبعد الهجوم الأخير هجرها أهلها والطلبة والآن بدأوا في العودة إليها بحذر وحين أصبحنا على مشارف القرية وجدنا جثة لأحد الذين هجموا على (مهاجرية) يوم العيد وبعد وصولنا استقبلنا عمدة (مهاجرية) وشيخ القرية وبعض من سكان القرية والطلبة وأخترنا أن نجلس جلسة (عربية) تحت الأشجار ، ومن المواقف الطريفة التي تحدث كثيراً عند الخروج في الدوريات أن يقدم لك المحليين شيئاً للأكل أو الشرب ولكنك غير معتاد عليه أو إنك لا تستطيع أن تأكله ومن العادات هنا إنه لا يمكنك رفض ما يقدم لك فهذا يزعل المضيف وفي هذه الدورية وبعد أن جلسنا أخذ أحد الطلبة يوزع شيئاً يشبه (المقروض) وعندما تذوقته وجدت إن به نسبة كبيرة من الرمل لذلك فقد تحايلت لكي أقنع من يراني إنني أستمتع بأكلها ووضعتها في جيبي وبعد هذه المرة كنت ارفض اخذ أي شئ بدعوى إنني صائم لتجنب الإحراج وأسال الله أن يكون هذا في عداد الكذب المسموح به وأن لا يحاسبني عليه ، لقد كان الناس هناك في غاية الكرم عند استقبالهم ضيوفهم ويعيشون حياتهم بكل بساطة لذلك فعندما يقدمون شيئاً مهما كان بسيطاً بالنسبة لك لكن في الحقيقة قد يكون هو كل ما يملكون لهذا ليس من اللياقة رفض ما يقدمونه لك .
وبعد أن قدمت أسماء فريق الدورية للعمدة ومن معه قام هو بالتعريف عن نفسه والمجموعة التي معه وقبل أن يبدأ الحديث الذي أتينا من اجله سألته عن سبب عدم دفن الجثة التي رأيناها بالقرب من القرية فقال لي : هذا لأننا لم نكن بالقرية وقد وجدناها الآن بعد عودتنا ، وفي الحقيقة كان هناك شئ من عدم الاحترام للعدو الميت وقد يكون عدم دفنه يعتبر في مفهوم البعض هو نوع من الانتقام فأضفت قائلاً : إن الميت كائن من يكون قد انتهى ولن يضيره أن يبقى فوق الأرض أو تحتها ولكنكم وأطفالكم من سيتأذى تم إن ديننا لا يسمح بذلك ، فوافقني على كلامي ووعد بدفن الجثة بعد هذا اللقاء مباشرة ، تم بدأ يتحدث عن المشاكل التي يعانونها وهي خطر التعرض لهجوم (المعاليا) نظراً لأنها تقع في أطراف (مهاجرية) والحاجة إلى صيانة بئر المياه كما انه أشار إلى انه قد حصل على وعد سابق من قائد القطاع الثامن بالاتحاد الإفريقي بالمساعدة في صيانة مدرسة البنات (بمهاجرية) وفي نهاية اللقاء تم الاتفاق على التنسيق مع المنظمات الإنسانية بغرض صيانة بئر المياه والاستفسار عن عرض صيانة مدرسة البنات من رئاسة القطاع .
يوم الأحد 12 . 11 . 2006 اليوم صباحاً خرجت أنا وأحد المراقبين والمترجم في دورية للقيام بواجب عزاء واخذ إفادة أهل الميت ، فقد سمعنا عن مقتل عدد من الأشخاص من أهالي (مهاجرية) بالقرب من منطقة (انقابو) فذهبنا إلى حيث بيت العزاء وكانت العادة أو التقاليد هناك عند الذهاب للعزاء وبمجرد الوصول إليهم تطلق السلام تم تقف لقراءة الفاتحة وفي هذه الأثناء يكون أهل الميت قد استعدوا لك لتقبل العزاء وهذا مافعلناه وبعد الجلوس معهم لفترة تحدثنا مع والد الميت على انفراد فاتضح منه انه قد قتل ثلاثة أشخاص بالقرب من منطقة (انقابو) وفقد أخر وكان ابنه من ضمن الثلاثة الذين قتلوا وهو يطلب مساعدة الاتحاد الإفريقي لدفن أبنه ، ويوم الثلاثاء 14 . 11 . 2006 بعد أخذ الأدن من رئاسة القطاع خرجت دورية إلى المناطق التي تعرضت لهجمات في الأيام الفائتة وهي (انقابو والمثورد وكالاجو ) ورافقهم في هذه الدورية الوالد الذي يريد أن يدفن ابنه وهناك كادت أن تحدث مشكلة بين آمر الدورية وهو ضابط مسلم من السنغال برتبة رائد الذي أصر على أن يتم دفن القتيل قبل أن تعود الدورية وحاول بعض أفراد قبيلة (المعاليا) الموجودين هناك منعه من القيام بذلك وبعد أن دفنه عادوا إلى المعسكر وكان ذلك الأب سعيداً وكأن ابنه عاد إليه ولم يضعه في مثواه الأخير ولم اذهب في هذه الدورية تلبية لرغبة ضابط العمليات وآمر المجموعة .
يوم الجمعة 17 . 11 . 2006 خرجت أنا وثلاثة مراقبون ومترجم إلى وسط القرية في دورية تحقيق حيث التقينا قائد قطاع جنوب دارفور وتحدثنا عن الأوضاع التي أهمها زحف قبيلة (المعاليا) من الجنوب الشرقي ومهاجمتها المناطق الواقعة شرق (مهاجرية) واستمرارهم في التحرك باتجاه الغرب وبعد الانتهاء من الاجتماع قمنا بدورية محلية وسط القرية وإطرافها وكان كل شئ على ما يرام فرجعنا إلى المعسكر وفي اليوم التالي خرجت لأول مرة كآمر لدورية ليست محلية وكانت المهمة مرافقة سيارة مياه وسيارة كانت قد انقلبت في أحدى الدوريات حيث ستسلم لدورية أخرى ستأتي من (نيالا) لإصلاحها وفي طريق الذهاب وجدنا شخصين من المحليين يقفان على الطريق وكان احدهما يشير بيده للدلالة على إنهم يريدون منا إيصالهم في طريقنا ولم يكن ذلك مسموحاً به ولم يكن الوضع الأمني يسمح بتجاوز التعليمات لذلك لم أعط الأمر بالتوقف وعندما توقفنا اضطراريا بعد فترة من الزمن بسبب إطار إحدى سيارات قوات الحماية جاء إلي ممثل الحركة وسألني قائلاً: لماذا لم تقف للرجلين اللذين وجدناهما في الطريق ؟ فقلت له : ولماذا أقف لهما ؟ فقال لي : لابد إنهم في حاجة لشئ ما فقلت له : إنهم في حاجة للركوب معنا وأنا لا استطيع فعل ذلك فقال لي : أنت لم تسألهم ماذا يريدون فقلت له : إن تصرفهم يدل على حاجتهم ثم إن لدي مهمة محددة وهذا كل ما أريد أن افعله ، فنظر لي نظرة لم افهمها في ذلك الوقت حتى اتبعها بتصرف لاحقاً ،ورجعنا بعد أن انتهت المهمة ، واليوم التالي انقضى في الاستعداد لزيارة آمر القطاع الثامن المقررة غداً فقد تم تجهيز مكان الاجتماع وإقامته وإقامة الضباط المرافقين وغيرها وقد تم تكليفي بالتنسيق مع قادة الحركة للقاء آمر القطاع بعد حضوره .
يوم الأثنين 20 . 11 . 2006 اليوم صباحا قبل وصول الآمر كلفت بدورية لغرض استطلاع وتأمين المنطقة فاستغرقت تلك الدورية خمسون دقيقة ولم نعود للمعسكر حتى هبوط الطائرة وبعد رجوعنا اجتمع بنا آمر القطاع الذي ركز حديثه عن الجوانب الأمنية والمعنوية وفي المساء خرجنا للقاء قادة الحركة وكان لقاءاً مطولاً شمل الحديث فيه كل المشاكل وفي اليوم التالي ذهب إلى معسكر (لبدو) ومن هناك ستأتي المروحية لنقله وهذا الآمر هو أيضا جديد على المهمة لذلك فهو يقوم بهذه الجولات لغرض التعرف على طبيعة العمل والأشخاص الذين لهم علاقة باتخاذ القرار في الحركة المسيطرة على الأرض عن قرب .
ختاماً لمقال هذا العدد أريد أن أركز على محاولات بعض الدول الغربية الضغط على الحكومة السودانية عن طريق الأمم المتحدة من اجل التراجع عن قرارها طرد بعض المنظمات الإنسانية ولكنهم لم ينجحوا حتى الآن وأعتقد إنهم لن ينجحوا في فرض ذلك عليها ، فهيهات أن يتراجع السودانيون بعد أن قدموا الكثير من التنازلات من اجل الوصول إلى سلام شامل ولكن ذلك لم يجلب لهم سوى المزيد من الاتهامات والانتهاكات لسيادة دولتهم ، ولقد أعجبني كثيراً إعلان الرئيس البشير ما سماه (سودنة العمل الإنساني في دارفور) ففي اعتقادي لو نجحت الحكومة في هذه (السودنة) فهذا يعني النجاح في (سودنة أزمة دارفور) وإذا فعلاً حدث ذلك فالأزمة لن تدوم طويلاً فهذا هو الحل لأزمة دارفور (إذا أصبحت مشكلة دارفور مشكلة سودانية فستنتهي إلى الأبد وبالسرعة التي ظهرت بها على الوجود وهذا لن يكون إلا بمنع التدخل الأجنبي فيها والمحافظة على سيادة اراضيها).