الدفاع الجوي سلاح مهني حديث نسبيا يتميز بالحداثة والتقنية العالية وهو بحاجة إلى مواكبة التطور المذهل للتقنية الحديثة، باعتباره الواجهة اليومية الدائمة في التعامل مع العالم سواء في السلم أو الحرب. وإن أي تخلف بسيط ينجم عنه تأخير لمراحل
يصعب تعويضها مستقبلا. واذا علمنا أن هذا السلاح يتعامل مع الجزء من مليون من الثانية أي أن الميل الراداري= mc 10.75) والـ(mc) هو(1000000/1 ، من الثانية يمكن أن نتصور الأهمية والخطورة التي تنتج عن أي تأخير بسيط لدقائق مثلا في التعامل مع الهدف وردة الفعل، كما أنه لا يمكن لجيش أن ينتصر على أرض لا يمتلك السيطرة الجوية عليها.
إن واجب الدفاع الجوي ليس محصورا في علاقته بالأهداف المعادية فقط، رغم أن ذلك شيئًا أساسي وحصري، بل إن هذا السلاح يُعدّ من أهم ركائز الطيران بجميع أنواعه (حربي، نقل، إسعاف، بل حتى الزراعي والجيولوجي)، ولا يمكن أن يستغني عنه في تقديم المساعدات الملاحية وتوجيه الطائرات إلى مساراتها، وتحديد أماكنها، وتوضيح أسباب الكوارث الجوية التي يمكن أن تحدث في أي لحظة ودون سابق إنذار. فيجب ألّا ننسى مهمة الدفاع الجوي في تقديم المساندة الملاحية للطيران المدني وحالات الطوارئ، سواء على الأرض أو في البحر، الأمر الذي يعزز موقف ليبيا في المحافل الدولية والإعلامية ويعود بالمردود المادي من خلال عبور الطائرات وتقديم المساعدة اللوجستية.
واذا علمنا أن هناك أكثر من ثلاثة ملايين شخص على متن الطائرات في الجو استناداً إلى مصادر شركة «بوينغ». وأن مطار دبي وحده يسجل تقريبا 88 مليون مسافر سنويا. نلاحظ أهمية أمن وسلامة هذا الكم من المسافرين، فما الذي يمنع آلاف الطائرات هذه من التصادم؟
وكذلك حماية الأجواء الليبية من اختراق الإرهاب والتهريب ومنع المافيات الدولية من جعل الصحراء الشاسعة مكبا للنفايات النووية وغيرها.. وهو ما يعتبر أحد الواجبات الرئيسية للجيش الليبي. لذلك فإن الأمر يستوجب الإستعداد الدائم والموصول، فمهام الدفاع الجوي لا تتوقف على الدوام لطبيعة الواجبات المتعددة واستمراريتها.
وإنه من وواجبنا رأينا أن نسلط الضوء ونقدم فكرة موجزة عن الوضع الحالي للدفاع الجوي، وحالة القصور في أداء أبسط الواجبات، من قبيل تقديم المساعدة الملاحية الطارئة سواء، لدى وجود خلل فني في الطائرات أو حتى عند السقوط، حيث يلزم التدخل الإستجابي من قبل الإنقاذ والوصول إلى مكان الحادثة لتنفيذ ما ينبغي من تدابي. ناهيك عن الحفاظ على سيادة الدولة الليبية وتنسيق التعاون مع الوحدات في هذا الإطار. وزيادة في التوضيح رأينا أن نورد هذا الشرح المختصر عن الدفاع الجوي.
أقسام الدفاع الجوي
- دفاع جوي (قطري/ ثابت) ويُعنى بحماية الأهداف الثابتة مثل المدن والمصانع والأهداف الإستراتيجية.
- دفاع جوي عن القوات (متحرك) ويتصف بالمرونة وسرعة الحركة لمواكبة الأرتال المتحركة (وهو ما ثبت أهميته ونجاحه بنسبة كبيرة، أي أضرب واهرب).
أما أسلوب الدفاع الجوي في حماية المواقع الحيوية فينقسم إلى قسمين أساسيين هما:-
- دفاع المنطقة: أي الدفاع عن مناطق جغرافية تحتوي على نقاط ومدن ومنشآت حيوية، ويستند إلى فكرة تأمين الدفاع الجوي بعيدًا عن قواعد الأسلحة الدفاعية، لذا فإن الإعتراض الجوي هو السلاح الرئيسي لهذا النوع من الدفاع الجوي تليها الصواريخ بعيدة المدى.
- دفاع النقطة: ويعرف بالدفاع عن مواقع حيوية مفردة تشكل مساحة جغرافية صغيرة نسبياَ. وقد تكون ضمن دفاع المنطقة، وتوضع عادة أسلحة الدفاع الجوي من صواريخ ومدفعية حول الموقع أو المناطق المحتملة للتقرب.
ووفقا للتطور الهائل في الأسلحة الهجومية، ومن الدروس المستفادة من خلال المصادمات الأخيرة التي تعتمد علي الأسلحة الذكية مثل الصواريخ البالستية، الطائرة دون طيار، الطائرات المتسللة (الشبح)، تقنيات الرصد الفائقة الدقة والتأثير الإعلامي القوي على الروح المعنوية ومجريات المعركة، ولما لاحظناه وبوضوح أن كل معركة تختلف عن التي تسبقها بدءًا من حرب 1967 ومرورا بحرب 1973، إلى معركة الجولان في عام 1982، ثم حروب العراق وأفغانستان وعمليات الناتو في يوغسلافيا وليبيا، وكما هو الحال في سوريا، وما نشهده اليوم في الحرب الروسية الأوكرانية. فيجب أن يكون منتسبو الدفاع الجوي على مستوى عال من التدريب وأن يكونوا على درجة عالية من الكفاءة بما يعزّز استعدادهم للتعامل بفاعلية مع كل المواقف، ووضع السيناريوهات اللازمة لمواجهة أعمال العدو المُحتل.
أولا- المهام الرئيسية لقوات الدفاع الجوى
- الإستطلاع المستمر للجو والإنذار من أي طارئ فى الوقت المناسب.
- منع أي اختراق لحدود الدولة.
- توفير الحماية للأغراض الحيوية والأهداف الهامة.
- تقديم المساعدة الملاحية للطيران عند الحاجة.
- توجية المقاتلات الإعتراضية والقاذفة إلى أماكنها (أهدافها).
- مساعدة قواتنا في تحديد وضرب بؤر الإرهاب وتأمين طلعات الطيران الصديق.
- تدمير العدو البري والبحري كمهمة ثانوية.
- الدفاع السلبي والتشويش الإلكتروني على العدو الجوي (لتقليل الأضرار).
تانيا- مراحل عمليات الدفاع الجوي
تتمثل مراحل عمليات الدفاع الجوي في الآتي:
- الكشف؛ ويتم بأحد الوسائل التالية: الأجهزة الرادارية، أجهزة الدعم الإلكتروني، أو يتم بصريا بواسطة نقاط الرصد أو أية وسيلة أخرى يمكن الإستعانة بها لكشف الطيران كالأقمار الإصطناعية.
- التمييز وهو أن يتم تحديد هوية ونوعية الهدف بإحدى الوسائل التالية:-
- المقارنة مع خطة الطيران المستلمة مسبقا .
- إلكترونيا عن طريق جهاز تمييز الصديق عن العدو (IFF) الموجود بالرادار أو المنفصل.
- سلوك الطائرة على خط الرحلة.
- الإعتراض للتأكد من هوية الهدف.
- التعامل مع الهدف: ويتحقق بوسائل الدفاع الجوي المتيسّرة من تقديم المساعدة في بعض الأحيان، أو تدميره بإسقاط الهدف بعد التأكد من عدوانيته.
4 - تحديد مكان الهدف لتقديم المساعدة وتوجيه الإنقاذ اذا تتطلب الموقف ذلك.
ثالثا- الشروط التي يجب أن تتوفر في الدفاع الجوي
- الاستعداد العالي والدائم لوحدات الدفاع الجوي.
- الفاعلية التي تمكن الدفاع الجوي من تحقيق مهامه.
- القدرة على التعامل من اتجاهات مختلفة في وقت واحد، وعلى جبهة واسعة ومن ارتفاعات مختلفة.
- القدرة على العمل باستمرار، أي طيلة اليوم، وبكفاءة عالية .
رابعا- أهم العوامل المؤثرة في تنظيم وتجهيز قوات الدفاع الجوي
- إمكانيات الدولة المادية والبشرية.
- عقيدة الجيش واستراتيجية الدولة.
- المساحة الكلية للبلاد، وحجم المسافة بين الأهداف.
- الموقع الجغرافي وتضاريس الدولة؛ فمثلا طول الساحل يعتبر من العوامل المؤثرة سلبيًّا على الدفاع الجوي خاصة من حيث صعوبة الكشف الراداري عند وجود أهداف مهمة يجب حمايتها.
خامسًا- مكونات الدفاع الجوي
- وحدات القيادة والسيطرة (غرف العمليات ومنظومات السيطرة ).
- وحدات الإستطلاع المبكر (الرادارات بمختلف انواعها)؛ أرضية، محمولة جوا أو على البحر، وعلى جميع الارتفاعات.
- طائرات الإعترض بمواصفات الإستعداد الدائم (ليلي نهاري).
- وحدات المدفعية والصواريخ.
- وحدات الدعم الإلكتروني من تصنت وتشويش ومكافحة التشويش.
- وحدات الدفاع السلبي للتخفيف من أضرار العدو وخداعة نحو أهدافه.
- الطيران المسيّر لأغراض الدفاع الجوي (UAV,s).
هذه أهم المكونات الرئيسية لسلاح الدفاع الجوي حتى يتسنى له القيام بواجباته الرئيسية. ولا مجال في الوقت الراهن للتطرّق إلى متطلبات الدفاع الجوي للتصدي لأي عدو محتمل، من صواريخ مجنّحة وطائرات حديثة دون طيار، والقدرة الرهيبة للأسلحة الجوية، وسبل التعامل مع أحدث التقنيات في هذا المجال من أقمار صناعية وأسلحة ليزرية وما الى ذلك..
إن المواقع التي تنشأ بمعرفة الشركات الأجنبية لا يمكن اعتبارها إلّا أهدافا سهلة وواضحة لأنها معروفة، والحقيقة المؤكدة كما رأينا أن أغلب شركات بيع الأسلحة إن لم يكن جميعها، يوجد من ضمن كوادرها عسكريون متقاعدون من ذوي الرتب العالية، ومن المؤكد أن أجهزة استخبارات هذه الدول موجودة وبثقل في هذه الشركات. ولمن يقول أن الأقمار الإصطناعية تغطي كل الكرة الأرضية، فليعلم أن هناك وسائل لتضليل الأقمار الإصطناعية، وهي ناجحة إلى حد كبير، ويمكن دراستها والإستفادة من بعض الدول الصديقة المتقدّمة في هذا المجال كما أذكر أنه ليس من الممكن إيجاد دفاع جوي يستحيل اختراقه مئة بالمئة، ولكن هذا كله يأتي في إطار تحقيق أهداف الدفاع الجوي من صد هجمات العدو وإرباكه أو التقليل من الخسائر.
ونتيجة للأحداث التي مرت بها بلادنا وتداعيات تدمير وحدات الدفاع الجوي من معدات ومعسكرات، وما تعرض له الجيش الليبي من تشتت للكثير من كوادره من ذوي الخبرة والتخصصات الدقيقة، علاوة على التدمير شبه الكلي للبنية التحتية، وما نتج عنه من توقف للسياق الصحيح الذي يجب أن يتبع في مجال تنسيق للتعاون واتباع الإجراءات السليمة بين غرف العمليات وأبراج المراقبة والطيران المدني، والقوات الجوية والبحرية.. فقد أصبح لزاما علينا أن نعيد ترتيب بناء وحدات الدفاع الجوي على أسس حديثة تستجيب لمتطلبات المرحلة.
ومن أجل بناء دفاع جوي قوي فعّال وعلى أسس متينة يجب مراعاة الآتي:-
- الإهتمام بالكوادر البشرية من الناحية العلمية والتدريب، حتى يمكن استيعاب المنظومات التي سيتم جلبها، والتمكن من الإستغناء عن الخبير الأجنبي وفق خطوات علمية مدروسة، بل وتطوير هذه المعدات. مع إمكانية استيعاب دماء جديدة، وخاصة من حاملي المؤهلات العالية والاستفادة منهم بعد تأهيلهم في دورات محددة لتشغيل غرف العمليات والمنظومات الحديثة. وخاصة أن الدفاع الجوي مازال يفتقر الى قدرات بشرية لملء الفراغات الحاصلة.
- توفير منظومات عصرية قادرة على التعامل مع الأسلحة الذكية مثل الصواريخ البالستية والمقاتلات والقاذفات الحديثة والطائرات دون طيار(UAV).
- توفير المعدات الإلكترونية الحديثة ومكافحة التشويش.
- الإهتمام بالدفاع السلبي وفق أسس علمية مدروسة ومتطورة .
- إستخلاص الدروس المستفادة من الخبرات السابقة، وتبادل الزيارات مع إمكانية توأمة مدارسنا وكلياتنا مع المؤسسات التعليمية العسكرية في الدول الشقيقة والصديقة، شريطة التعامل معهم بمستوى الند بالند وبحذر، وهذا يحتاج الى كوادر إدارية ذات خبرة وكفاءة.
- إعتماد اللامركزية في اتخاد قرارات القتال والتدريب عليه، وتبني المنظومات المتحركة بما فيها غرف العمليات؛ أي أن كل موقع يمكن أن يكون غرفة عمليات قطاع بل غرفة رئيسية إن تطلب الأمر، والإستفادة من طبيعة البلاد، خاصة الجبال بالنسبة لغرف العمليات المعتمدة على مستوى الدفاع الجوي وسائر الجيش.
- الإهتمام البالغ بالبحث والتطوير والإستفادة من الدروس السابقة وتجنّب تكرار أخطاء الماضي، وأخذ العبرة من مجمل الظروف التي اكتنفت المسائل المرتبطة بالدفاع الجوّي.
- وجوب أن يكون الدفاع الجوي متعدد المراحل؛ أي قادر على التعامل مع العدو والتأثير عليه والتدريب على ذلك، مع القدرة على امتصاص الضربة الفجائية الأولى؛ لأنه لاتوجد منظومة دفاع جوي غير قابلة للإختراق.
- الاستفادة من طبيعة الأرض والتضاريس المختلفة في بلادنا، ومن ذلك الجبال في إخفاء غرف العمليات ومكونات الخط الثاني للتصدي للعدو، مع الأخذ في الإعتبار أن صديق اليوم يمكن أن يكون عدو الغد، الأمر الذي يحتّم وجوب إعداد كوادر وطنية مؤهلة تأهيلا راقيا، وقادرة بالفعل على تركيب وتطوير المعدات المزمع استجلابها، والإعتماد على العناصر الجديرة بالثقة والمسؤولية.
- عدم الإعتماد على مصدر واحد بل يجب تنويع مصادر السلاح ودراسة ذلك بعناية وتخطيط علمي فمثلا ليس من التنوع جلب المعدات من (بريطانيا- فرنسا- أمريكا..) فهؤلاء ومن في فلكهم مصدر واحد، بل من المفيد التعاون مع دول أخرى مثل الصين، البرازيل، جنوب أفريقيا، كوريا، روسيا والهند... والحرص على كفاءة اللجان المشكلة للتعاقد على أن تتميّز بالخبرة والكفاءة بما يمكنها من التعامل مع هذه الشركات.
- الأخذ في الإعتبار أن مهمة الدفاع الجوي في تقديم المساندة الملاحية للطيران المدني وحالات الطوارئ، سواء على الأرض أو في البحر، الأمر الذي يعزز موقف ليبيا في المحافل الدولية والإعلامية وحماية الأجواء الليبية من الاختراق والتهريب، الذي يعتبر أحد الواجبات الرئيسية للجيش الليبي مستقبلا.