الأسلحة غير القاتلة أو الأسلحة غير الفتّاكة تعبير قد يبعث على الإستغراب، لكون السلاح في الغالب يرتبط مفهومه بالقتل، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل المقصود تلميع وتلطيف صورة السلاح وإضفاء صفة الرأفة عليه؟
يتمحور الحديث هنا حول الأسلحة الكيميائية، وتحديدا في ما يتعلّق منها بصنف الغازات الحربية غير القاتلة. وهي تلك الغازات التي يؤدّي استخدامها إلى إحداث حالة من الإزعاج الشديد والإرباك والتأثير النفسي، وتتجسّد هذه الخصائص عموما في الأصناف التالية:-
الغازات النفسية (المهلوسة):
يطلق عليها أيضا غازات شل القدرة، وهناك من يسميها الأسلحة الصيدلانية، وتوجد الكثير من المركبات ذات الصلة بهذا النوع من الغازات وعلى رأسها غاز بي زد (BZ)، الذي يوصف بكونه عبارة عن بلورات شفافة عديمة الرائحة، وينفذ إلى الجسم لدى استنشاق الهواء الملوث أو عن طريق تناول الأغذية الملوثة، وغالبا ما تكون الجرعة المطلوبة لإحداث التأثير كبيرة نسبيا قياسا إلى الأنواع الأخرى من الغازات. والتعرض للغازات المهلوسة يسبب للفرد ارتباكا واضحا وحالة من الذهول والشرود الذهني وأشبه ما يكون بانفصام مؤقت في الشخصية، ويترافق مع ذلك أعراض مميزة منها الصداع والإضطراب في الرؤية والنعاس والإرتفاع في درجة الحرارة هذا فضلا عن الهلوسة. ويُذكر أنه مع بداية تصنيع هذا الغاز تم تجريبه على قطة حيث جرى حبسها في قفص واحد مع فار صغير ولدى مراقبة المشهد بدت القطة مرتبكة ومرتعدة من الفأر وهي تحاول الهرب، وكانت تقفز مذعورة من الفزع كلما مر الفأر بمحاذاتها. كما تم تجربة هذا المستحضر على أحد المكلفين بحراسة منشأة عسكرية، فما كان منه إلا أن نسي كلمة السر وترك أحد الغرباء يدخل من الباب دون أي اكتراث منه، بينما بقي هو منزويا حائرا لا يدري كيف يتصرف وتعتريه حالة عارمة من الإرتباك والذهول. وتستخدم هذه الغازات في الظروف التي ليس من المطلوب فيها استخدام الأسلحة القاتلة سواء التقليدية منها أو الكيميائية؛ على سبيل المثال في المواقع التي تكون فيها القوات الصديقة محتجزة أو متداخلة مع القوات المعادية، بحيث يتم اللجوء إلى توفير الفرصة السانحة لها بمغادرة الموقع في الوقت المناسب. كما يمكن اللجوء لاستخدام الغازات المهلوسة في حالة التخطيط للإستيلاء على بعض الأهداف الحيوية والحساسة في وضع سليم وحرمان الخصم من استغلالها مع أسر عناصرها. هذا ومن المتوقع أيضا أن يكون الإستهداف ضمن الترتيب والإستعداد لشن هجوم مباغت والتمهيد له ببث حالة من الفوضى وإشاعة الإرباك في قيادات وعموم قوات الخصم بغية إنهاكها من الناحية النفسية بما يؤدّي إلى إضعاف السيطرة والتأثير على الروح المعنوية..
وفي مقام الحديث عن العوامل الكيميائية المشلة للقدرة، لا بأس من الإشارة إلى حادثة استخدام غاز أساسه مادة الفنتانيل عام 2002، في محاولة من الأمن الروسي لتحرير رهائن في أحد مسارح موسكو اقتحمته مجموعة متشدّدة لها مطالب سياسية، وكان عناصر هذه المجموعة مسلحين ويحملون متفجرات، وحيث كان الهدف من استخدام هذا الغاز هو إحداث تخدير مؤقت لكل المتواجدين بالمسرح لفترة وجيزة ريثما تتم السيطرة على الموقف من خلال إلقاء القبض على الخاطفين واعتقالهم أحياء وفي نفس الوقت تحرير الرهائن، غير أن مفعول الغاز كان أشد تأثيرا من ذلك وتسبب في مقتل عدد كبير من الرهائن فضلا عن الخاطفين، وهو ما لم يكن واردا في الحسبان.
الغازات المزعجة:
منها مسيلة للدموع أو المقيئة: تتكون هذه المجموعة من الكلور أسيتوفينون (CN) وغاز (CS) المسيلين للدموع، بالإضافة إلى غاز الإدمسيت (DM) المقيء. والتعرّض للغازات المسيلة للدموع يؤدي إلى ردة فعل تنعكس على النهايات العصبية الحسّاسة للأغشية المخاطية والمجاري التنفسية العلوية، وبذلك فإن هذا النوع من الغاز يطال بشكل عام الأعين والجلد وقنوات التنفس العليا ويصيبها بالتهيّج والحرقان ما يؤدي إلى سيلان غزير للدموع وكحّة وسعال مع ضيق في الصدر ورشح ودوخة مترافقة مع غثيان.
أما الغاز المقيء فهو يحتاج إلى 25-30 دقيقة لبلوغ أقصى تأثير له، وعادة ما يتم مزجه بمادة الكلور أسيتوفينون أو غاز ( (CSلتسريع مفعوله، ويسبب التهابا في الأغشية المخاطية والحلق والجهاز التنفسي بالتزامن مع خروج إفرازات غزيرة من الأنف والفم ويترافق ذلك مع نوبة من العطاس الشديد والسعال المتواصل مع الإحساس بالإرهاق الشديد والإعياء وينتهي الحال بالقيء، ويظل المصاب في حالة عجز يستمر لبضع ساعات. والجدير بالذكر أن الغرض من استخدام الغازات المزعجة هو الحد من الكفاءة القتالية لقوات الخصم لفترة غير طويلة وإصابة أفرادها بالفزع والحط من معنوياتهم. وعادة ما تستخدم القنابل اليدوية والبنادق في إطلاق هذه العوامل كما تستخدم قذائف المدفعية والقنابل الجوية ومولدات الرش بالطيران لذات الغرض.
إلى ذلك فإن الغازات المسيلة للدموع، كمهيجات للحواس فإنها كثيرا ما تستخدم في مكافحة الشغب نظرا لخصائصها المميزة كونها ذات سمية متدنّية ولسرعة مفعولها وقصر مدته، ما جعلها مأمونة العواقب نسبيا وتتمتع بهامش سلامة معقول. لكن على الرغم من كل ذلك فإن هذه الغازات إذا استخدمت بكثافة عالية في أمكنة ضيّقة، فمن شأن ذلك أن يُؤدّي إلى اختناق وإلى تأثير خطير على الفرد بسبب الإلتهابات الشديدة التي يمكن أن تصيبه في الجهاز التنفسي والرئتين، الشيء الذي قد يتطور إلى مضاعفات مهدّدة للحياة.وليس من المعروف بشكل واضح عما إذا كان تكتيك استخدام الأسلحة الكيميائية غير القاتلة سيقلّص من منهجية الإفراط في القتل أم أن هذا التكتيك يقدّم في أحيان كثيرة قيمة مضافة لتلك المنهجية.