إن التخاذل العربي والإسلامي قبل أن يكون تخاذلاً دولياً أطال من طريقنا إلى دمشق التي توصف بأنها أقدم عاصمة، ولها من الأسماء أكثر من عشرين اسما، وإن سورية كلها أرض طيبة كريمة عزيزة، وهي في هذه الأيام تمر بفترة عصيبة، فأهلها ما بين لاجئ ومشرد وشهيد وجريح وخائف من الظلم والاستبداد،
إنها ترفع راية الحرية والكرامة، وإن سيول الدم التي غطت كل سورية لها رائحة يشتمها العالم أجمع، فكيف لا يشعر نظام الأسد بذلك؟ فكل نشرات العالم تنقل الدمار الذي تخلفه طائراته ومدافعه وصواريخه، وإن أبطال الجيش الحر في الوطن السوري يقفون له بالمرصاد، فقد نظموا الفرقة الأولى مشاة في العاصمة دمشق وريفها التابعة لقيادة أركان الجيش الحر، ويبلغ تعداد هذه الفرقة التي تقودها غرفة عمليات مؤلفة من ضباط منشقين بمختلف الرتب أكثر من خمسة آلاف مقاتل يترأسها قائد الفرقة، ويتم من خلالها التخطيط للمعارك وإدارتها.
ويتكون هذا الجسم العسكري من خمسة ألوية رئيسة وعدة كتائب مختصة ومكتب لتأمين المنشقين ومكتب للتسليح ومكتب للتدريب، أبرز أقسام هذه الفرقة: كتائب الدفاع الجوي، وكتيبة المهام الخاصة، وكتائب الاقتحام والتصدي للمدرعات، وكتائب المدفعية، وتنتشر الفرقة على خريطة معارك كبيرة في دمشق وريفها، أهمها المعارك على محيط مطار دمشق الدولي والملحق الجنوبي وجبهات جوبر وزملكا وعربين وحرستا، إضافة إلى زرع خلايا نائمة داخل أحياء في العاصمة دمشق، وما زال حزب الله اللبناني ينفي تواجد عناصره مع قوات الأسد رغم فضح متكرر من الجيش الحر لهذه الانتهاكات، وقد ظهرعلناً تدخل عناصره في القصير واحتلالهم لقرى قبل أن يتم تحريرها من قبل أبطال الجيش الحر، وبرز هذا التدخل ليس في محافظة حمص فقط بل في سوريا كلها، فمدينة القصير المحاذية للحدود اللبنانية الواقعة في ريف حمص تعد قريبة من لبنان، بل نجد أن أفراد حزب الله في دمشق وحلب وإدلب وغيرها يدعمون نظام الأسد بشكل خفي مع إيران، وهم كما يبدو يبذلون ما في وسعهم في سبيل نصرة بشار الأسد، وقد كانت المواجهات قوية في القصير وخلفت قتلى من حزب الله، هذا وقد هددت القيادة السياسية للمؤتمر الوطني السوري بأن هذا العمل يعتبر إعلان حرب على سوريا من قبل لبنان، وتدخلاً سافراً في أراضيها علاوة على ما يحمله المسلحون من حزب الله من العتاد الثقيل الذي استولى عليه الجيش الحر متمثلاً في الدبابات والآليات العسكرية والذخائر، وعلى صعيد آخر ومن خلال الطريق إلى دمشق فإنه مازال المجتمع الدولي يتردد بشأن السلاح الكيماوي حتى بعد إعلان خبراء بريطانيين أن نظام الأسد استعمله ضد شعبه، وكذلك ما وقع للإدارة الأمريكية من حرج بعد تصريحات خبير إسرائيلي وتأكيده على استخدام السلاح الكيماوي ليصبح الموقف الأمريكي متردداً إلى أن تعترف الخارجية الأمريكية باستعمال السلاح الكيماوي، ويرغب الرئيس الأمريكي في زيادة التأكيد على استعماله، وكأنه يريد أن يقسم له السوريون بأن هذا النظام قد استعمله فعلاً، وقد خرج عميد منشق عن نظام الأسد كان في قيادة فرع الكيمياء في الجيش الأسدي وذكر أن أوامر جاءته بإستعمال الكيماوي في بصرى الحرير حسب قوله، فماذا بعد ذلك؟ ألم يع العالم مدى الخطر الذي يستعمله الأسد ضد الشعب في المدن؟ وقد أكد الأمريكيون استعمال غاز السارين في عدة مناطق، كما بدأ المحققون الدوليون أعمالهم في الخارج لاستجلاء هذا الأمر، ويقول وزير دفاع الأسد إنه لا مانع لديه أن يأتي محققون روس للتأكد من استعمال الكيماوي مع أنه بزعمه يقول إننا لا نستعمله حتى ضد إسرائيل، وهل يعلم أنه بامتلاكه للكيماوي فترة طويلة يحافظ على أمن إسرائيل يشعر بذلك أم لا يشعر؟
وعلى صعيد آخر فإن معارك الكر والفر مستمرة بين الجيش النظامي والجيش الحر خاصة في ريف دمشق حيث أشاع النظام نبأ استيلائه على مدينة العتيبة في ريف دمشق، ويؤكد الناشطون بالجيش الحر أن المعارك متواصلة لتأمين المدينة المذكورة وطرد كل من كان فيها من أعوان الأسد، كما تواصلت المعارك في محيط مطار منغ، وهو أكبر تجمع في الشمال السوري وأشاع النظام سيطرته الكاملة على الكتيبة العلقمية القريبة من مطار منغ بإعزاز في حلب، وقد تأكد سيطرة الحر على كتيبة الدفاع الجوي التي تعتبر بوابة مطار منغ، وقد شارك في عملية التحرير حوالي 12 كتيبة وفصيلاً عسكرياً من الجيش الحر، وبذلك يكون مطار منغ المحاصر منذ أشهر على وشك التحرير خاصة أن عناصر الجيش الحر يؤمنون الطريق لمن يرغب في الانشقاق من داخل المطار، وقد حرر الجيش الحر قبل هذا المطار مطار تفتناز ومطار كشيش العسكريين في عملية متواصلة لاستهداف المطارات؛ وذلك للقيام بعملية حظر جوي في الشمال السوري دون الحاجة إلى تدخل خارجي، ولمنع عمليات القصف المتكررة على القرى والبلدات في الشمال والجنوب، كما سيطر أبطال الجيش الحر على حي العسالي، وتكاثرت أنباء إعدام السجناء بعد تصاعد أعمدة الدخان من داخل السجن ليتبين أن النظام الأسدي حرق جثث السجناء بعد عملية تصفية لكامل السجناء، وفي سلسلة استهداف المطارات تم الدخول إلى مطار أبي الظهور بإدلب في عملية أخذت اسم (الخندق) بعد قتل قائده وعدد كبير من جنوده وإجبار البقية على الانسحاب منه إلى مبنى لمدرسة الضباط قريبة من المطار في مواجهات شرسة خلفت العديد من الشهداء كما تمت السيطرة كذلك على معامل الدفاع بحلب التي تعد مصدراً لقوات الأسد، ويركز الجيش الحر على فصل العاصمة دمشق عن العالم الخارجي سواء بقطع الطرق المؤدية إلى الحدود الأردنية أو حتى بالتضييق على المطار ومنع حرية الطيران فيه، ومن ذلك إعلان الجيش الحر استهدافه لتسعة مواقع عسكرية في درعا في عملية أطلق عليها اسم (بركان حوران)، وكما قلنا فهي تستهدف عزل العاصمة عن الحدود الأردنية، وفي الوقت نفسه تدور اشتباكات عنيفة في حي جوبر شرق دمشق وفي منطقة برزة شمال دمشق، كما أدى هذا التقدم في التكتيك إلى السيطرة على كتيبة الدفاع الجوي في النعيمة وحصار كتيبة الرادار قبل دخولها مع عدة مواقع أخرى في درعا، وفي كل مشهد يبهر السوريون العالم بنضالهم وإصرارهم من أجل رد الظلم عن الأبرياء من المدنيين في كل أنحاء سوريا، ومن ذلك ما قامت به نسوة من حلب الشهباء وهو تشكيل كتيبة نسوية بعد أن اجتمعت 21 سيدة من نساء حلب، وقررن حمل السلاح والمساعدة في إقامة الحواجز والتمترس إسهاماً منهن في هذه الثورة المباركة ومساعدة للرجال الذين يبذلون جهوداً في بسط الأمن في المناطق المحررة، وكانت مشاركة النساء في حلب وفي غيرها ملحوظة ظاهرة للعيان حيث شارك أكثر من أربعين سيدة كردية في القتال المباشر في حي الشيخ مقصود في حلب، وكن قد حملن السلاح لا لمساعدة الرجال فقط، وإنما لإثبات حق المرأة في الدفاع عن أهلها ووطنها، وهذا تسطير للبطولة في أسمى صورها.
إن المواجهات والاشتباكات بين الجيش الحر والجيش النظامي في العاصمة دمشق وفي غيرها لا تنقطع، بل وهناك معارك كر وفر تحدث داخل الأحياء السكنية يسعى الجيش الحر فيها للقضاء على القناصة المنتشرين في أعالي البنايات يستهدفون المدنيين ما حذا بالجيش الحر إلى اتخاذ إجراءات وتكتيكات خاصة للتعامل مع هذا الوضع، ومنها فتح الشقق على بعضها واتخاذ سواتر من الأنقاض ورسم الخطط للإيقاع بأولئك القناصة، وقد كشف الجيش الحر عن وجود عناصر إيرانية ولبنانية من بين هؤلاء القناصة.
ومع هذا الحراك الدائر في سوريا الحبيبة لا يكاد يمر يوم إلا ويسقط الشهداء بالعشرات، وهذا ما جعل الأحرار يوثقون المعارك كما يوثقون كذلك عمليات القصف وعمليات النزوح وعمليات الإنقاذ وإمداد المعونات للمتضررين والإشراف على المشافي الميدانية المنتشرة في الأحياء السكنية والتي غالباً ما تتعرض هي الأخرى للقصف، وعلى كل فإن الطريق إلى دمشق وإن طالت وامتدت وتعرجت فإن الفرج قريب، وستحين ساعة الحسم وتتحرر العاصمة دمشق كما تتحرر كل مناطق سوريا بإذن الله تعالى ....
وللحديث بقية
{facebookpopup}