تقوم إستراتيجية إدارة الرئيس الأمريكي ترامب الدفاعية الجديدة على عدة أسس لتلائم تحديات الصراع في الشرق الأوسط وترتكز الإستراتيجية في الأساس على عدة أسس وهي
1- تحديث جميع الأسلحة الاستراتيجية:
قال جيمس ماتيس، إن بلاده ستبني منظومة “أسلحة فتاكة” جديدة، والاستثمار في المجالات النووية والصاروخية؛وذلك استعداد للحرب، وهو ما يبين أنه لا تهدف فقط للردع كما كان يعلن في السابق وإنما تهديد صريح بالحرب،وبأسلحة فتاكة جديدة ليست من ضمن ما تمتلكه من أسلحة نووية أو بيولوجية أو كيمائية، قديمة وإنما تحديثها لتكون اكثر فتكا، فالمتتبع لمسارات الحروب الأمريكية نجد أنها تخسر الحرب المعتمدة على الأسلحة التقليدية والمواجهة البرية المباشرة كما جرى في فيتنام في السبعينات، والحرب الكورية في الخمسينات، وصولا إلى حرب أفغانستان والعراق، وتحاول الآن الاعتماد على وكلاء لها سواء الأنظمة الموالية أو الجماعات المسلحة، في تحقيق أهدافها بالشرق الأوسط، لأنه من الصعب استخدام أسلحة فتاكة.
لكن في حال الدخول بمواجهة مباشرة مع الصين أو روسيا، لن يجدي معهما حروب الوكالات، أو الدخول في حرب تقليدية مفتوحة، إنما تريدها محسومة وسريعة، كما أكدت الاستراتيجية الجديدة، بصنع “أسلحة فتاكة”، وتعمل على ذلك بالفعل منذ فترة.
ففي أغسطس 2017، أعلن نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الجوية الأمريكية، بول سيلفا، عن عمل سلاح الجو على صنع “قنابل نووية مصغرة”، بجانب تطوير الصواريخ الباليستية”، ضمن برنامج تحديث ترسانة واشنطن النووية، سيؤثر على التوازن الاستراتيجى فى العالم، وتستطيع “القنابل المصغرة” إصابة هدفها بدقة، وتدمير مدينة بأكملها، وفق ما نقلته صحيفة ” إنترناشيونال بزنس تايمز”، وقبلها في أغسطس 2016، كشفت روسيا عن وضع أمريكا برنامجا لتحديث قدراتها النووية بقيمة تريليون دولار، من بينها تطوير القنبلة “B61-12″، وصنع صاروخ بالستي جديد عابر للقارات.
ومنتصف يناير 2018، أكدت صحيفة “وال ستريت جورنال” الأمريكية عن إعداد واشنطن مشروع تطوير سلاح نووي سيستخدم على غواصات مخصصة لاستخدام صواريخ ذات المدى القريب من نوع “ترايدنت 2″، ردا على تطوير روسيا والصين لأسلحتهم النووية.
وإلى جانب تحديث واشنطن للأسلحة النووية التي بدأت قبل ترامب، وستزيد وتيرتها، تعمل واشنطن على تعزيز فاعلية الردع الصاروخي،وذلك بتطوير منظومة الدرع الصاروخية الأمريكية سواء لحماية الولايات المتحدة او حلفائها لأوروبيين أو الآسيوين.
ففي مايو 2016، بدأت الولايات المتحدة تشغيل درع صاروخية بتكلفة 800 مليون دولار في رومانيا، وسيتم استكماله إلى بولندا، المجاورين لروسيا، لحمايتهم وحماية أوروبا من الدول المارقة، وهو ما اعتبرته روسيا تحييدا لترسانتها النووية واستهدافها بالأساس، وتشمل الدرع الصاروخية بجانب منصات صواريخ الدفاع الجوي سفنا وأجهزة رادار في مختلف أرجاء أوروبا، ويوجد مركز القيادة والتحكم في قاعدة جوية أمريكية في ألمانيا.
وردا على هذا الأمر أعلنت روسيا في أكتوبر 2016، أنها ستطور أنواعا جديدة من الصواريخ الباليستية قادرة على اختراق الدرع الصاروخية الأمريكية، وبالفعل تم الكشف في أكتوبر 2017، عن إحلال منظومة الدرع الصاروخية الروسية من طراز “A 235 نودول” مكان “A-135” ، إلى جانب منظومة “S-500 Prometey ” لصواريخ الدفاع الجوي، وأكد عسكريون روس أنه لن تقدر أية درع صاروخية منافسة (نودول)، فهي عبارة عن منظومة ثلاثية النظم الاستراتيجية،قادرة على اعتراض الصواريخ العابرة للقارات على مدى 1500 كم وأي أهداف في المدار الأرضين إلى جانب تحييد أي أهداف جوية لامتلاكها 3 أنظمة (القريب والمتوسط والبعيد) لاعتراض الصواريخ.
واعترفت واشنطن بوجود تأخر لها في هذا الأمر، وازدادت المخاوف الأمريكية من عدم فاعلية بعض الأسلحة المهمة التي تعتمد عليها كمنظومة الدفاع الجوي “الباتريوت”، حيث فشلت عدة مرات في مواجهة صواريخ ليست متطورة من نوع “بركان H2″، أطلقت تجاه العاصمة السعودية الرياض من اليمن، لذا جاءت الاستراتيجية الدفاعية الجديدة لمعالجة هذا الخلل، وسبق أن تعهد ترامب حينما كان مرشحا للرئاسة بتطوير هذا الأمر، وبعد أن وصل للرئاسية أمر في يوليو 2017 بإعادة بناء الجيش الأمريكي بالتركيز على منظومة الدفاع الجوي والدرع الصاروخية، ووقع وثيقة على هذا الأمر لبدء التنفيذ الفعلي، وتنص على إعادة بناء الجيش وضع خطة لتجهيزه بطائرات وسفن ومعدات وآليات جديدة، فسبق أن أعلن نيته في مارس 2017، عن زيادة عدد قطع الاسطول الأمريكى من 274 سفينة وغواصة وحاملة طائرات، إلى 350 فى السنوات المقبلة، ويريد زيادة حاملات الطائرات إلى 12 قطعة بدلا من 10 موجودين الآن بالخدمة.
إلى جانب تطوير القدرات النووية والصاروخية، نصت الاستراتجية الدفاعية لترامب، على الاستثمار في الفضاء الإلكتروني، وذلك في ظل ظهور ما يعرف بـ”الحروب السيبرانية Cyber wars”، وقد اتضح هذا الأمر في الاتهام الأمريكي المتكرر لروسيا باختراق الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتدخل في الدول الأوربية أيضا كما جرى في حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والانتخابات الفرنسية التي فاز فيها إيمانويل ماكرون العام الماضي، رغم صعوبة إثبات ذلك.
ولدعم هذا الأمر، رفع ترامب في أغسطس 2017، الدفاع الإلكتروني إلى مستوى قيادة موحدة مثل القيادات الإقليمية والقوات الخاصة، نظرا لأهميته بالنسبة للأمن القومي، حيث ستردي لدرء مخاطر الفضاء الإلكتروني ومساعدة حلفاء واشنطن وردع خصومها كما قال ترامب، وستؤدي هذه القيادة إلى زيادة فاعلية سلسلة القيادة في العمليات التي تتطلب ردا سريعا وتطوير وسائل جديدة في الحرب الإلكترونية والمعلوماتية.
2- تعزيز التحالفات الإقليمية والدولية:
لا يمكن للولايات المتحدة، مواجهة اعدائها دون وكلاء وحلفاء لها، لذا تعمل على تعزيز ما هو قائم وبناء تحالفات جديدة، في مناطق عدة، ففي آسيا من اجل مجابهة النفوذ الصيني، وتهديدات كوريا الشمالية، عملت على دعم كل من الهند واليابان وكوريا الجنوبية بشكل أساسي إلى جانب فواعل آخرين، ويتضح ذلك في حجم الصفقات والدعم العسكري الموجه لهذه الدول خاصة إرسال حاملات الطائرات إلى هناك وإجراء مناورات عسكرية متكررة، ونشر منظومة دفاع جوي متطورة أدت إلى إثارة الصين التي رأت أنها تستهدفها هي وليس تحييد تهديدات كوريا الشمالية، كذلك تعتمد واشنطن على تقوية حليفها الهند في مواجهة الصين وباكستان في جنوب آسيا.
وفي منطقة الشرق الأوسط تعتمد بشكل أساسي على دولة الاحتلال الإسرائيلي، وزادت من دعمها سياسيا وعسكريا، تمثل أخيرا في اعتراف ترامب بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الكيان، ففي سبتمبر 2016، وافقت الولايات المتحدة على تقديم مساعدات عسكرية لإسرائيل خلال السنوات العشر المقبلة بـ 38 مليار دولار، وتزويدها بأحدث الأسلحة من بينها طائرة “f35″، بخلاف إسرائيل، ورغم الاهتمام الأمريكي بآسيا عززت واشنطن وجودها وصفقاتها العسكرية مع دول الخليج، مقدمة نفسها كحامي لها في مواجهة النفوذ الإيراني خاصة بعد توقيع الاتفاق النووي في 2015، فقد وقع ترامب خلال زيارته للسعودية العام الماضي صفقات فاقت قيمتها 400 مليار دولار، مركز على الجوانب العسكرية، ومثلها مع قطر والإمارات والكويت.
كذلك عززت من وجودها العسكري في القارة الأفريقية من خلال وجودها في القرن الأفريقي، وإنشاء قاعدة لها في النيجر، ودعم وكلائها كإثيوبيا وكينيا، لتحقيق مصالحها هناك.
3- اتباع سياسة الحرب الاستباقية:
نصت الاستراتيجية الدفاعية الجديدة، واستكمالا لاستراتيجية الأمن القومي على استهداف أي تهديد للولايات المتحدة في معقله قبل وصوله للأراضي الأمريكية، وهو ما يفتح الذريعة لواشنطن لشن هجمات وحروب غير مبررة مستقبلا في عدد من الدول كما فعلت في احتلال العراق وتدميره، وخلال الشهر الجاري، ورغم إعلان القضاء على تنظيم داعش الإرهابي أكدت أنها لن تخرج قواتها من سوريا لمنع عودة التنظيم مجددا، وحتى تمنع تهديداته لها أو لحلفائها، لكن هذا يأتي من أجل مجابهة الوجود الروسي في المنقطة وكذلك استهداف النفوذ الإيراني، فهي تخشى من فقدان وجودها في هذا الجزء المهم، وأن تتخذه روسيا قاعدة انطلاق جديدة لها في المنطقة، مهددة الوجود الأمريكي في الخليج، وتهديد اوروبا من ناحية جنوب البحر المتوسط.
أيضا هناك مخاوف من توجيه ترامب ضربة عسكرية استباقية لنظام كوريا الشمالية، وهو ما حذرت منه الصين وروسيا، لأنه إن وقع ذلك ستتحول المنطقة لساحة فوضى وبيونج يانج مجاورة لكلا البلدين، وبالتالي يخشون من نقل واشنطن ساحة المعركة إلى معقليهما.
ختاما، تكشف الاستراتيجية الدفاعية لترامب، عن بدء مرحلة جديدة من الصراع وسباق التسلح مع القوى الصاعدة، ستتضح تداعياته خلال الأعوام المقبلة، فإعلان واشنطن أن الإرهاب ليس تهديدا كبيرا مقارنة بروسيا والصين، يعني التحول في سياسة الأمن والدفاع ، وكذلك سياسة الأحلاف العسكرية، فقبل ذلك كان يتم تشكليها على أساس مواجهة الإرهاب أما الآن، ستشكل وفقا للدخول في مواجهات مع دول عظمى، بما يعني عودة أجواء الحرب الباردة، وخلق مسارح جديدة من أجل تصفية هذا الصراع، كما حدث من قبل على أراضي فيتنام وكوريا.
ومن جانبها، لن تتخلى الصين وروسيا وعن مساعيهما، ومن في دائرة الاستهداف العسكري الأمريكي في تحديث قدراته العسكرية، بل العكس ستنشأ حالة من سباقات التسلح كما وكيفا، وخلق مساحات جديدة للسيطرة والنفوذ، وإدارة حروب الوكالة، فمنطقة الشرق الأوسط شهدت شبه نهاية تنظيم داعش، وهو ما كان يضبط الصراع في سوريا والعراق، أما الآن وبعد انتهائه، قد تدخل روسيا مع الولايات المتحدة في مواجهات أقوى وإن كانت عبر الوكلاء في إطار الصراع على النفوذ.
* هذا المقال هو ورقة بحتية أعدتها الباحثة كمشاركة في ورشة العمل التخصصية حول السياسة الخارجية الامريكية في الشرق الأوسط وإفريقيا التي أقامتها الأكاديمية الليبية بمدرسة العلوم الاستراتيجية والدولية قسم الدراسات الإقليمية والدولية شعبة الأمريكية في الأكاديمية 2018 م.