الفساد هو النشاط الذي يسهم في توجيه الإدارة والموارد العسكرية نحو تحقيق مصالح أو منافع شخصية تؤثر سلبا ًعلى المؤسسة ويزرع عدم ثقة بين العسكريين وقادتهم مما يضعف معنوياتهم ويؤثر على جاهزيتهم،.
وقد جاء في تقرير منظمة الشفافية الدولية لمراقبة الفساد (إن أكثر من ثلثي دول العالم تحتاج إلى آليات قوية لمحاربة الفساد في قطاع الدفاع ).
لقد ظل الفساد ينخر المؤسسة العسكرية الليبية لعقود، عبر سياسة ممنهجة، وظهور مجموعات الظل من قيادات ومقربين لهم كبعض المساعدين والماليين لتكتمل دائرة الفساد الإداري والمالي، وذلك بالتغاضي عن اللوائح والنظم، مع تباين المزايا، وإثراء البعض عن طريق إبرام التعاقدات، الاستيلاء على الأملاك العامة والتلاعب في النثريات وتخصيص وبيع الأراضي والآليات العسكرية، مما أدى إلى ازدياد التذمر بين أوساط العسكريين.
إن كل التوقعات كانت تتجه نحو حدوث تغيير شامل وبشكل دراماتيكي وسريع بعد سقوط النظام المنهار والاتجاه نحو بناء جيش محترف، لكن تقديرات منظمة الشفافية الدولية لمراقبة الفساد 2013م تشير إلى أن قطاع الدفاع في ليبيا يأتي ترتيبه رابعاً في الأقل فسادا بين قطاعات الدولة، على الرغم من أن معدله يتراوح بين (2.8- 5)، وبحسب ترتيبات المنظمة لدرجات الفساد السبعة الصادرة في نهاية يناير 2013م فإن قطاع الدفاع في ليبيا يندرج في التصنيف السابع بين قطاعات الدفاع الأعلى فسادا في العالم وبذلك يعتبر مُعَرَّضًا للفساد بدرجة "الخطر الحرج أو الشديد".
إن الفساد الإداري لا يقل خطورة، فمتى تم اختيار قيادات غير ذات كفاءة فإن مجموعات الظل ستظهر حولها لتستحوذ عليها وتصبح هي المسيطرة وتتغلغل بالقطاع إلى أعماق الفساد، وقد يبلغ الفساد منتهاه عندما يصل إلى المكاتب العسكرية بالخارج لتعطي صورة قاتمة للآخرين وبالتالي تتزايد صعوبة متابعة الفساد وكشفه وإثبات وقوع التجاوزات والحصول على الأدلة الدامغة نتيجة لمهارة هؤلاء المفسدين في طمس آثار أي تلاعب مما يجعل العسكريين يترددون في الإبلاغ عن المخالفات مخافة المسائلة.
إن استهداف مواضع الفساد والتركيز عليها يساعد أصحاب القرار على وضع إستراتيجية شاملة لمكافحته، بدءًا من الوحدات الصغرى إلى الرئيسية لتقويضه على نطاق أوسع، مع ضرورة مشاركة الجميع في الرقابة لكي نضمن سير الإدارة وتوجيه الموارد العسكرية نحو الاتجاه الصحيح.
إن أهم معايير الشفافية ومحاربة الفساد هي قوة رقابة البرلمان على قطاع الدفاع، الأمر الذي يتطلب تحديد دقيق لاختصاصات لجنة الدفاع ووزارة الدفاع ورئاسة الأركان دون أي تداخل في هذه الاختصاصات، كما لا بد من إسهام الكل في تنفيذ سياسة حازمة لمنع الفساد و مراقبته ومكافحته .
على عاتق قيادات الجيش الجديدة تقع تركة ثقيلة من الماضي المؤلم، وعلى عاتقهم أيضا مسئوليات لا تقل أهمية عن تفعيل الجيش وإعادة تنظيمه، وذلك بتطبيق مطلب الشفافية واجتثاث الفساد من قطاع الدفاع، ذلك أن ما بني على باطل فهو باطل.