كيلو الأرز يساوي دولارا وكيلو البترول 3.3 دولار وكيلو رقائق الكمبيوتر 7 آلاف دولار وكيلو ميكروبروسيسور قيمته 96 ألف دولار
على الرغم من التوجه لتقليص الوزارات، إلا أن إنشاء وزارة للبحث العلمي، تمثل ضرورة تنموية للمرحلة الحرجة، التي تمر بها ليبيا، ويعطي مخرجا لتلبية احتياجات التنمية والاستقرار والسلام المجتمعي لبناء ليبيا الحرة المستقلة، ولتشرف هذه الوزارة علي كل الأدوات والأجهزة المعنية بهذه القطاعات.
فبعد تلكيف السيد الثني من قبل المؤتمر الوطني العام الليبي "البرلمان" بتشكيل الحكومة منذ أيام، والحديث عن تشكيل حكومة ليبية جديدة، تبرز في الأفق بجانب القضايا السياسية والاجتماعية، قضية أخرى لا تقل أهمية دعما وتلبية لاحتياجات الاقتصاد والمجتمع الليبي، وهي قضية دور البحث العلمي والابتكار التكنولوجي في جهود التنمية المستدامة مستقبلا، باعتباره قاعدة أساسية لا يمكن تجاهلها في عمليات إعادة الإعمار والتنمية في ليبيا.
واتفق عدد من الخبراء والمسؤولين العرب على أن انفتاح المؤسسات الليبية العلمية والتكنولوجية علي المجتمع الخارجي يؤسس للتعاون والاستفادة من الخبرات الأخرى، بما يدعم الاقتصاد الوطني، ويلبي احتياجات المجتمع والمواطن الليبي. وأن الوزارة الجديدة للعلوم والتكنولوجيا ننتظر منها أن تنقل ليبيا إلى آفاق جديدة، ومسايرة ركب مجتمع واقتصاد المعرفة والانفتاح علي العالم، وتدريب وتأهيل رواد الأعمال والباحثين والعلماء، لتوجيه البحث العلمي والابتكار التكنولوجي، لخدمة الاقتصاد والمجتمع الليبي، عبر تحويل براءات الاختراع لصناعات توفر فرص عمل للشباب الليبي ومنتجات تدعم الاقتصاد، تحت مظلة استيراتيجية وطنية للابتكار واقتصاد المعرفة.
ويلقي توجه تخصيص وزارة مستقلة للعلوم والتكنولوجيا، قبولا جيدا علي النحو التالي، والذي من خلاله قمنا بعمل الاستقصاء التالي لاستطلاء رأي عدد من الخبراء العرب في العلوم والتكنولوجيا، بواسطة المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا، وهي مؤسسة عربية ودولية غير هادفة للربح، تهتم بتوظيف العلوم والتكنولوجيا، لتحقيق التنمية المستدامة في دول المنطقة العربية:
البحث العلمي لم يعد مهمة أكاديمية بل سبيلا للتنمية
في هذا السياق، قال الدكتور عبد اللـه عبد العزيز النجار رئيس المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا (مقرها الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة) أن البحث العلمي لم يعد مهمة أكاديمية، وإنما سيبلا للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، فهذا سبيل وحيد لتلبية احتياجات التنمية، والانتقال بالدولة نحو العالمية، واقتصاد المعرفة وخلق فرص عمل. موضحا أهمية الانفتاح على العالم وربط المجتمع العلمي والتكنولوجي والريادي الليبي بالعالم الخارجي المتقدم، من أجل تبادل الخبرات وتوقيع بروتوكولات التعاون، بما يساهم في بناء قدرات الباحثين والتكنولوجيين ورواد الأعمال، لدعم جهود التنمية المستدامة واقتصاد المعرفة في ليبيا. مشددا على أن ربط مشاكل المجتمع والصناعة بالبحث العلمي والتكنولوجي، يساهم في تحسين الإنتاجية والابتكار وجذب شركات إقليمية ودولية ومتعددة الجنسية، والمساهمة في حل مشكلة البطالة وخلق فرص عمل جديدة للشباب وهو يعني زيادة تنافسية الاقتصاد الوطني، ويقلل من الاعتماد علي اقتصاد النفط، وتنويع مصادر الاقتصاد الليبي بحيث يكون جزء منه مبني على الصناعات الناشئة من العلوم والتكنولوجيا. فمثلا كيلو الأرز يساوي دولارا بينما كيلو البترول 3.3 دولار وكيلو رقائق الكمبيوتر 7 آلاف دولار أما كيلو من ميكروبروسيسور فهو 96 ألف دولار. من هنا تبرز مبررات التوجه الإيجابي لدى صانعي القرار الليبي لتخصيص وزارة مستقلة للعلوم والتكنولوجيا.
المشاريع الرائدة إقليميا بالابتكار وسياسة البدائل
في سياق متصل، شدد الدكتور فاروق الباز مدير مركز الاستشعار عن بعد بجامعة بوسطن الأمريكية على أن تقدم الأمم لا يأتي بإعطاء البحث العلمي أدوار هامشية في الحكومة، فالبحث والتطوير هو السبيل الوحيد لتطوير المنطقة وحل مشاكلها. موضحا أن ليبيا تعد نقطة مركزية في أى جهود تنموية في المنطقة ذات صلة بالعلوم والتكنولوجيا. مشيرا إلى أن ليبيا المستقبل تستطيع كذلك أن تنفذ عددا من المشاريع الرائدة إقليميا، عبر توظيف الابتكار والبحث، منها إنشاء مجتمع لإنتاج الطاقة الشمسية بالتعاون مع مصر، وتصدير الفائض من إنتاج هذه الطاقة الشمسية لكثير من دول العالم. ويضاف إليها مشاريع واعدة خاصة بدراسة الصحراء الشاسعة لمعرفة أماكن المياه الجوفية واستصلاح بعض أجزءا منها زراعيا.
أضاف الدكتور فاروق الباز أنه بعد الثورات المرحلة الانتقالية، عادة هي مرحلة حرجة، يترتب عليها نجاح الثورة في تحقيق آمالها، بشرط التفكير بتأن والاستعداد على الدوام بالبدائل، بحيث يكون هناك مخطط علمي للوصول إلى الهدف المنشود في وقت محدد، مع إعداد خطط بديلة يمكن اللجوء إليها في حالة تغير المسار، فاللجوء للبدائل أمر عملي وفعال، ويمنح المرونة، وهذا ما تحاول عمله ليبيا في مجال البحث العلمي والابتكار، ليحوز على التقدير العربي والدولي.
ليبيا تتمتع بالحراك والحيوية .. والابتكار ضروري لإعادة الإعمار
كما سبق وأشار الدكتور مصطفي أبو شاقور، نائب رئيس الحكومة الانتقالية السابق في ليبيا إلى أن هذه الأيام تشهد حراك شعبي يعبر عن حيوية إيجابية للمجتمع الليبي، الذي بدأ يولي البحث والعلوم والتكنولوجيا أهمية ومكانة يستحقها. موضحا أن مبادرات إعادة بناء واعمار ليبيا، تتطلب منح المزيد من الأهمية للابتكار والبحث، باعتباره يقوم مقام وحداث البحث والتطوير في الشركات، فالجميع يجب أن يعمل لمصلحة ليبيا. مؤكدا أن دعم تقدم ليبيا علي طريق اقتصاد المعرفة، يتطلب أيضا وضع استيراتيجية لتطوير التعليم والبحث العلمي تضمن استمرار التقدم التكنولوجي لليبيا.
هذا وتشير الأرقام التالية لدلالات كبيرة، تؤكد أهمية توظيف البحث والابتكار عبر ووزارة مستقلة، لتنويع قطاعات الاقتصاد الليبي، فهناك أكثر من 350 ألف عاطل عن العمل، 60% منهم من الشباب، وهناك أكثر من 50 ألف خريج من الجامعات والمعاهد سنويا، لا يجدون فرص عمل، لأن الكادر الحكومي بما فيه موظفي الحكومة والجيش والشرطة وغيرها من القطاعات متشبعة جدا. ويذكر أنه من 1.9 مليون من القوة العاملة الليبية يوجد 1.2 مليون موظفين في الحكومة و 350 ألف منهم فقط في القطاع الخاص. وهذا أمر خطير على اقتصاد ليبيا وأمنها القومي ومستقبلها بالكامل.
المزاوجة بين دولة القانون ودولة المعرفة والابتكار
على جانب آخر، سبق وأن قال الدكتور محمود جبريل رئيس وزراء ليبيا السابق ورئيس تحالف القوى الوطنية إن ضمان استمرار عمليات إعادة البناء والإعمار بفاعلية، يصبح من الضروري الاهتمام الابتكار والبحث العلمي وتطويرها لمواكبة حركة التقدم التكنولوجي العالمي. مشددا على أنه من الضروري أن تتم المزاوجة بين دولة القانون ودولة المعرفة، المعتمدة علي البحث العلمي والابتكار التكنولوجي. هذه الدولة ستحمي الحقوق للمواطنين وتتابع تنفيذهم لإلتزماتهم وواجباتهم، كما أنه ستساهم بفاعلية في توفير الداعمة لتقنيات التنافسية للاقتصاد الوطني، لضمان مستوى عالي من مستوى المعيشة والرفاهية.
استقطاب مشاريع جادة وتدفقات استثمارية صناعية
أما الدكتور فخري كراي عالم تونسي معروف، أستاذ هندسة الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي، أسس ويدير شركة دولية فيستيك Vestec، أكد أن وجود وزارة مستقلة للبحث العلمي في الدولة يعطي زخما ويعتبر بمثابة قاطرة للتنمية المستدامة وريادة الأعمال، في الدولة. مضيفا أن دول المغرب العربي يعرف عنها تقديرها للبحث والابتكار، ويقدر العالم الغربي جيدا مساهمات العلماء والرياديين والمبتكرين في هذه المنطقة. كما أن هذه الوزارة ستكون قادرة على استقطاب مشاريع عربية وأجنبية جادة في البحث العلمي، وتدفقات استثمارية مرتبطة بها، خاصة في المجالات الصناعية ذات الصلة. مضيفا أن هناك العديد من دول العالم التي توجد بها وزارة مستقلة للعلوم والتكنولوجيا، مثل: الصين، الهند، البرازيل، باكستان، مصر والعراق. كما أن هناك دولا بها وزارة للعلوم والتكنولوجيا وكذلك الابتكار مثل الدانمارك وماليزيا.
ضرورة الاستثمار في المعرفة كرأس مال
أكد الدكتور مبارك المجذوب، أمين عام اتحاد مجالس البحث العلمي العربي أن الدول المتقدمة ترى أن المعرفة رأس مال من الضروري الاستثمار فيه وتنميته، بينما الدول المتخلفة تنظر إلى الانفاق علي البحث العلمي على أنه ترف، لأن الدول المتقدمة تعرف أنه ستجني النتائج آجلا، وهو ما يعتبر مهما اتباعه في ليبيا، خاصة وأن رأس المال المعرفي الليبي يحظي بكل الاحترام، لأنه هو الذي أنجح ثورة 17 فبراير، ويساهم اليوم في بناء الدولة الليبية. ومن ثم فإنه من المنطقي أن نوجه ملايين الدولارات للاستثمار في المؤسسات
البحثية والأكاديمية والتكنولوجية، بهدف التوصل إلى براءات اختراع، يمكن تحويلها الى صناعات تساهم في حل مشكلة البطالة ومنتجات تساهم في دعم الاقتصاد الوطني، تعتمد على تكنولوجيا تنافسية، قابلة للتداول التجاري في الأسواق.
تحقيق النمو الاقتصادي والسلام المجتمعي
من جانبه، قال الدكتور محمود صقر، رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجا في مصر: اننا جربنا جميع وسائل دعم البحث العلمي، وأن المطلوب الآن هو ربط البحث العلمي باحتياجات المجتمع.
مشددا على أن السير قدما علي درب التقدم العلمي يحقق النمو الاقتصادي والاستقرار والسلام المجتمعي. موضحا أن نظام الابتكار الوطني ووضع سياسات واستراتيجيات للبحث العلمي، لن يكون فعالا بالصورة المثلى، مادامت الأدوات، التي سوف تنفذه مشتتة، وتتبع وزارات مختلفة، لها أولويات وممارسات مختلفة، والأجدر جمع مراكز ومؤسسات البحث المختلفة في وزارة واحدة مستقلة.
ربط الجامعات باحتياجات المجتمع والصناعة
أكد الدكتور سلطان أبوعرابي العدوان الأمين العام لاتحاد الجامعات العربية أن تخصيص وزارة مستقلة للبحث العلمي والتكنولوجيا ، يعتبر أمرا محوريا، من أجل الاهتمام بقضايا التطوير المؤسسي والتدريب وبناء القدرات والتعاون مع المؤسسات العربية والدولية المناظرة وتشكيل الهوية العلمية والتكنولوجية للدولة. مضيفا أن هذا التوجه والجهد يساعد على مواكبة التطور الكبير في الابتكار الذي يشهده العالم حاليا، بما يساعد علي تأهيل أجيال متتالية لإدارة المؤسسات الابتكارية. مشددا على أن أهمية تطوير المراكز البحثية الليبية، بحيث تعمل على تلبية احتياجات المجتمع والصناعة، وتخرج ثمار البحث العلمي خارج أسوار المعامل، ليستفيد منها المجتمع والاقتصاد.