في خطوة غير مسبوقة، كشفت المملكة المتحدة على خطتها الاستراتيجية الجديدة في مجال الدفاع والأمن، وذلك لأول مرة منذ الحرب الباردة، كي تضع محددات هامة من خلالها وفق ما تواجهه من تهديدات متمثلة في منطقة آسيا، خاصة التقارب الصيني الروسي.
استغرقت هذه الخطة ما يقارب العامين لإعدادها كي تغطي مجالات عدة في هذا الإطار، وتحت عنوان "الاستجابة لعالم أكثر تنافسية وغير مستقر" قام رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بعرض الخطة الإستراتيجية أمام أعضاء مجلس العموم البريطاني، والتي اعتمدت على زيادة في الإنفاق على المجال العسكري والأمني، لمواجهة التقارب المتزايد بين أعدائها من الدول الاستبدادية في منطقة آسيا.
اعتمدت الخطة على زيادة الإنفاق العسكري والأمني لتصل نسبته إلى 2.5% من إجمالي الناتج المحلي، بعد أن كان 2.2 %، حيث تتوجه الحكومة البريطانية إلى إنفاق 5 مليارات جنيه استرليني خلال العامين القادمين في مجال الدفاع، لتطوير قدراتها النووية وتحديث مخزونها من الأسلحة التقليدية والاستثمار في البنية التحتية للذخائر، كما أن الخطة الإستراتيجية تستهدف إنشاء صندوق متكامل مخصص للأمن بقيمة مليار جنيه استرليني وهيئة لحماية الأمن القومي لتحسين قدرة منشآتها الأساسية العسكرية على الصمود في مواجهة التحديات الجديدة، كما استهدفت الخطة الإستراتيجية أيضا مساعدة أستراليا في إنتاج غواصات تعمل بالطاقة النووية للمرة الأولى وذلك في إطار الجهود لمواجهة الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادي، وقد جاءت هذه الخطة الإستراتيجية في وثيقة تضمنت 60 صفحة كاملة تم عرض أهم فقراتها أمام جميع أعضاء مجلس العموم البريطاني من قبل رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، حيث ذكر سوناك أن الصين تشكل تحديا للعصر له تداعيات على كل مجال تقريبا وعلى الحياة اليومية للشعب البريطاني، وسوف تكثف بريطانيا من إجراءاتها لحماية الأمن القومي لها وتعزز العمل مع الحلفاء، بجانب أن لندن تفضل تحسين التعاون والتفاهم مع الصين.
أظهرت الخطة الإستراتيجية أهم الدول التي تمثل تهديدات واضحة للمملكة المتحدة أولها روسيا بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين، حيث وصفتها الخطة بأنه التهديد الأكثر إلحاحا لأمن المملكة المتحدة خاصة مع تصاعد تداعيات غزوها لأوكرانيا، وجاءت الصين مشكلة تحديا هاما من هذه التهديدات خاصة في مجال الاقتصاد والسياسة والعسكرية والدفاع والتكنولوجيا، حيث رأت الخطة الإستراتيجية أن بكين تريد بوضوح متزايد بناء نظام دولي محوره الصين ويلائم نظامها الاستبدادي، وكما ذكر رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك خلال عرضه للخطة الإستراتيجية أمام مجلس العموم البريطاني أن الصين تشكل تحديا غير مسبوق للنظام الدولي الذي ندافع عنه في مجال الأمن والحقوق والقيم على حد سواء، وبذلك يجب تطوير نهج الدفاع لدى المملكة المتحدة والدول الأخرى، وتؤكد الخطة الإستراتيجية الجديدة للمملكة المتحدة في مجال الدفاع والأمن على هذه الأولويات التي حددتها لتعزيز دفاعاتها في منطقة آسيا وذلك لمواجهة الأعداء.
لم يمر وقت قصير، حتى بدأت الحكومة البريطانية في تنفيذ خطتها الإستراتيجية الجديدة في مجال الأمن والدفاع، حيث تم التوقيع على صفقة وصفت بالتاريخية مع استراليا والولايات المتحدة الأمريكية في قاعدة " سان دييغو " البحرية بولاية كاليفورنيا وذلك لإنشاء أسطول من الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية وتتواجد في المحيط الهادي، حيث تشتري استراليا 5 غواصات أمريكية تعمل بالطاقة النووية، بجانب بناء جيل من الغواصات لتعزيز التواجد العسكري للتحالف الغربي في منطقة آسيا في مواجهة النفوذ الصيني، وقد جاءت هذه الخطوة دعما للجهود التي تقوم بها كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا لمواجهة الصين.