كلنا نعلم بأن (المؤسسة العسكرية هوية وطن وليست وظيفة عابرة) وكون العسكريين هم شريحة لها خصوصيتها من حيث قصر مدة خدمتهم وتقاعدهم بالمقارنة مع باقي موظفي الدولة ولذلك لديهم قانون خاص بهم وهو قانون 43 لسنة 1974م حيث أن العسكري
ونظراً لطبيعة وصعوبة عمله وما يتعرض له من مشاق عند تكليفه بالعمل في ظروف بيئية ومناخية صعبة أو ذات خطورة عالية أو ممارسة تخصصات فنية صعبة وبالتالي فانه يُحال على التقاعد مبكرا حيث تبدأ سن التقاعد للعسكري اعتباراً من 40 سنة وتتدرج حسب الرتبة في حين أن سن الإحالة على التقاعد لموظفي باقي القطاعات في الدولة يصل الى 65 سنة رغم إن المعاملة التقاعدية واحدة في الحالتين.
ومما يؤخذ على هذا الإجراء الذي قام به صندوق الضمان الاجتماعي بعدم تعديل مرتبات العسكريين المتقاعدين أنه يُعد إخلالا لمبدأ المساواة بمقولة (انه اخل بمبدأ المساواة بين من تماثلت مراكزهم القانونية حيث حَرم العسكريين المتقاعدين من حقهم بالاستفادة من الزيادة المقررة لهم بناء على القرار 441 لسنة 2013، خلافاً لباقي فئات المجتمع ومنها الهيئات القضائية – جهاز المخابرات العامة – الرقابة الإدارية وغيرهم كثير مما أحدث تمييزاً يتناقض مع مبدأ المساواة المنصوص عليها في المادة السادسة من الإعلان الدستوري الصادر في 3/8/2011 وذلك لان العاملين في الدولة الليبية من رجال شرطة وأجهزة أمنية وعسكريين يستفيدون من نظام الضمان الاجتماعي عملاً بقانون رقم 13 لسنة 1980 المعدل والتي يقضي بانطباق أحكام الضمان الاجتماعي على العسكريين وحيث أن المادة السادسة من الإعلان الدستوري تنص على إن الليبيين متساوون أمام القانون ومتساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية وفي تكافؤ الفرص وفيما عليهم من واجبات ومسؤوليات عامة لا تمييز بينهم وحيث من المقرر أن مبدأ المساواة أمام القانون يستهدف حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تفسد ممارستها ومن مقتضياته إقامة وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا يقتصر تطبيقها على الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في النصوص الدستورية بل يمتد من حيث النطاق إلى الحقوق التي يقررها القانون المادي ويكون مصدراً لها ومن تم لا يجوز للقانون أن يقيم تمييزاً غير مبرر تختلف فيه المراكز القانونية التي تتماثل عناصرها .
وحيث أن جميع المشتركين في النظام الضمان الاجتماعي من حيث العسكريين وغيرهم من الفئات الأخرى ينظمهم مركز قانوني متماثل حيث ينطبق في شأنهم جميعاً وصف (المضمونين) وكان يستوجب للتكافؤ في الحقوق بين هاتين الفئتين ان تنظمهما قاعدة موحدة لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزاً بين الأشخاص وكذلك ما يختص به العسكريين دون غيرهم وخاصة المتقاعدين منهم وما نصت عليه المادة (60) من قانون التقاعد العسكري رقم 43 لسنة 1973 والتي تنص على أن من إنتهت خدمته بسبب الإصابة في العمليات الحربية أو في إحدى الحالات المنصوص عليها في المادة 26 من نفس القانون ونصها يجوز الجمع بين معاشه وما يتقاضاه من راتب أو اجر أو مكافأة أو غير ذلك مقابل عمله في الحكومة أو الهيئات أو المؤسسات العامة وهذا يعتبر استثناء خص به المشرع العسكريين المتقاعدين دون غيرهم ومنحهم رخصة لم يمنحها لغيرهم وهي الحق الكامل في الجمع بين المعاش التقاعدي المقرر وحق العمل أو الخدمة في أي جهة عامة وتقاضي مرتب لقاء هذه الخدمة، وبنص القانون وقوته الملزمة تعتبر هذه الفئة استثناءاً واضح وصريح على قاعدة الازدواجية وهذا يعتبر تمييز وتعويض لهؤلاء الذين قدموا أغلى ما لديهم وفقدوه من اجل حماية وطنهم والذَوَّذ عنه.
خلاصة القول بأن الزيادة التي أُقرت بقرار من مجلس الوزراء رقم 441 لسنة 2013 وحسب ما نصت عليه المادة 9 والمادة 51 علماً بأن القرار صادر من جهة تنفيذية شرعية وهو من ضمن اختصاصاتها القانونية وانه اكتسب الدرجة القطعية لنص المادة القانونية المحددة لإلغائه أو إعادة النظر فيه كما إن ديباجة القرار استندت على قراري اللجنة الشعبية العامة سابقاً بإقرار الزيادة المالية لمنتسبي الجيش الليبي وبالتالي فان هذا القرار صدر من جهة مختصة قانوناً ومجلس الوزراء باتخاذه هذا القرار قدر جيداً الوضع المالي للعسكريين المتقاعدين والعاملين من حيث قلة مرتباتهم وعدم مجاراتها لمتطلبات المعيشة ومن باب آخر أن اغلبهم أمضى وأفنى زهرة شبابه في خدمة هذه المؤسسة وان معظمهم من أصحاب العائلات الكبيرة ويعانون أمراض مزمنة كالقلب والسكر والضغط وغيرها فمن الواجب على جهات الاختصاص خلق وضعية اجتماعية تليق بحياة كريمة لهم وهم في هذه السن.
إن الأحكام القضائية الأخيرة التي حكمت لعدد من العسكريين المتقاعدين بتنفيذ قرار الزيادة حسب ما نص عليه القانون رقم 441 لسنة 2013م يعد انتصاراً للحق وانتصاراً لمبدأ المساواة في نيل الحقوق.
وان عدم تنفيذ هذا القرار والتأخير في تطبيقه لباقي شريحة المتقاعدين العسكريين، يؤدي بلجوء المتقاعدين العسكريين للمحاكم وذلك للمطالبة بحقوقهم المادية والمعنوية وهذا ما يؤدي بالدولة الليبية لدفع تعويضات باهظة ترهق الخزينة العامة أكثر مما عليه الآن.
(فهل يجد هذا النداء وهذه النافذة آذانٌ صاغية من قبل الجهات المسؤولة لإنصاف من ظُلم سابقاً وحالياً والله المستعان)