يتبادر إلى مسامعنا بين الحيــن و الآخر و نحن نطالـع أو نسـمع عــن إستخدامـات الطيــران الحربــي فـــي العمليات العسكرية مصطلح التفوق الجوي (Air superiority) . و الذي يمكن تعريفه بأنه سيطرة أو تفوق قوة جوية لطرف ما على القوة الجوية للطرف الآخر أثناء العمليات العسكرية، و يعرف هذا المصطلح لدى حلف الناتو بانه درجة السيطرة في المعركة الجوية لقوة جوية على أخرى تحاول القيام بعمليات جوية تستهدف سماءها أو أرضها أو بحرها في وقت و مكان محدد بدون القدرة على الرد عليها.
وهنا يجب توضيح الفرق بين التفوق الجوي موضوع هذا المقال و درجات التفوق الجوي الاخري و أعلاها السيطرة الجوية (Air supremacy) و التي تعرف بأنها السيطرة الكاملة علي الجو الذي يكون فيه سلاح العدو الجوي غير قادر علي التدخل مطلقاً ، بينما يأتي التفوق الجوي في المستوى الثاني من درجات السيطرة، و في أقل درجات السيطرة الجوية يأتي مصطلح التعادل الجوي (Air parity) و هو يعني التعادل مع قوات العدو الجوية أو تحقيق السيطرة الجوية فقط فوق مواقع القوات الصديقة. و بالعودة للتفوق الجوي نجد أنه يتيح زيادة نشاطات القصف الجوي و الامداد الجوي التكتيكي للقوات الجوية بالاضافة إلى تسهيل مهام إنزال المظليين و القوات الخاصة مما يسهل عمل القوات البرية و معداتها. و مع توفر دعم طائرات التزود بالوقود جواً يمكن زيادة عدد الطائرات المقاتلة القاذقة (طائرات التفوق الجوي) و إبقائها لمدة أطول في الجو و تحت طلب القوات البرية بشكل مستمر.
يرجع تاريخ البحث عن التفوق الجوي إلى بداية استخدام الطيران في الحـروب حيـث أنه ومنذ بدايات القرن العشرين تنبأ العالم الايطالي جيوليو دوهيت بأن الحروب المستقبلية ستحسم من الجو ، و في الحرب العالمية الأولى كان التفوق الجوي لسلاح الجو الالماني هو المفتاح للتفوق الاستخباراتي بواسطة الاستطلاع الجوي.
و مع بداية الحرب العالمية الثانية عادت نظريات جيوليو للظهور إلى السطح بعد ان تم إهمالها لفترة من الزمن خاصة بعد تبين الفائدة الكبيرة و التأثير الايجابي لإستخدام الطيران من قبل قوات الحلفاء حيث تمكنوا في بداية الحرب من السيطرة على الجو بواسطة طائرات وفرت السيطرة الجوية.
أخذ دور القوات الجوية يتعاظم بشكل مطرد منذ بداية دخولها كصنف أساسي في القوات لمسلحة مع بدايات مطلـــع القـرن الماضي و حرص القادة العسكريون على ضرورة توفر التفوق الجوي لدى قواتهم , فعلى سبيل المثال و خلال معركة بريطانيا في الحرب العالمية الثانية تمكنت بريطانيا من منع الانزال الالماني من خلال القنال الانجليزي ، كما كان التفوق الجوي الانجليزي العامل الذي مكن الحلفاء من القيام بغارات جوية استراتيجية علي المراكز الصناعية و المدنية الالمانية و التي عرفت بإسم روهر و ديرسدن (Ruhr and Dersden) و هما إسمي نهر و مدينة ألمانيتين تم إمطارهما بأكثر من 3900 طن من القنابل شديدة الانفجارفي غارات نهارية و ليلية.
يرجح بعض المحللين العسكريين أن البحث عن التفوق الجوي كان السبب الرئيسي وراء تطوير حاملات الطائرات و التي مكنت الطائرات من العمل في غياب و بعد القواعد الجوية الارضية.
و لعل الضربة الجوية المفاجئة و الموجعة التي وجهها سلاح الجو الياباني للقوات الأمريكية في معركة بيرل هاربر الشهيرة خير دليل علي أهمية السعي وراء إكتساب التفوق الجوي حيث كانت حاملات الطائرات اليابانية على بعد مسافة بعيدة من أقرب القواعد الارضية.
و مع إزدياد الاقتناع بأهمية التفوق الجوي تبلور مفهوم من التحكم في الجو من خلال التفوق في رمي القنابل بالغارات الجوية الناجحة إلى البحث عن كيفية حماية قاذفات القنابل لتتمكن من أداء دورها بالشكل المطلوب فظهرت للوجود الطائرات الاعتراضية و المطاردة و التي كان دورها الاساسي إعتراض و إسقاط قاذفات القنابــل و الحيلولة دون وصولها لأهدافها و كذلك إعتراض الطائرات المقاتلة المرافقة لقاذفات القنابل ، و لعل من أشهر طائرات التفوق الجوية في الحرب العالمية الثانية طائرة (Me-109) و (FW-190) الالمانيتين و من جانب قوات الحلفاء كانت طائرة السبيتفاير(Spitfire) البريطانية و التي صنفت حينها كطائرة مقاتلة دفاعية أساسية لسلاح الجو البريطاني صنع منها أكثر من 20,000 طائرة. أما القوات الامريكية فقد تفوقت جويا من خلال طائرة المرافقة المقاتلة موستانج (Mustang P-51) و التي حققت التفوق بأداء الطيران الجيد و طول المدى الذي مكنها من مرافقة القاذفات الامريكية فوق الاراضي الالمانية حتى خلال الغارات النهارية.
و بالرجوع إلى بداية الحرب العالمية الثانية أعطت المقاتلة اليابانية الشهيرة زيرو التفوق الجوي لليابان حتى خروج مقاتلات هيلكات و كورسير و اللتان تفوقتا على الزيرو في القدرة على المناورة و التحمل و درجة الإعتمادية.
و في الحرب الكورية ظهرت لأول مرة الطائرات النفاثة السريعة ذات الجناح المرتد للخلف الذي يتيح المناورة في السرعات العالية و كان من أشهرها طائرة الميج 15 الروسية و طائرة سابر F-86 الامريكية. في مطلع الخمسينات كان التفوق الجوي من أهم السمات التي يجب أن تتمتاز بها أي طائرة مقاتلة تدخل العمليات القتالية فكان التصنيف الأمريكي للطائرة كروسيدر F-8 كطائرة تفوق جوي و التي إحتلت مكانها بعد مدة وجيزة طائرة الفانتوم الشهيرة و التي صممت أساساً كطائرة إعتراضية ذات مدى طويل و إمكانيات جيدة مكنتها من التفوق فوق سماء فيتنام في مقابل مقاتلات ميج الروسية خاصة بعد ان تفوقت الاخيرة جوياً لمدة طويلة بسبب قصر مدى الميج 15 و ضعف القدرة على المناورة في الاشتباك القريب.
و مع بداية الستينات من القرن الماضي و مع تقهقر التفوق الجوي الأمريكي في حرب فيتنام خاصة مع ظهور طائرة الميج 21 ذات مميزات التفوق الجوي و التي قادت الامريكان فيما بعد لتصميم طائرات F-14 و F-15 و F-16 و F-18 و التي غيرت بعض الشئ من مفهوم التفوق الجوي من ناحية تصميم الطائرات المقاتلة التي تتميز بالقدرة العالية على المناورة في الاشتباك الجوي القريب و ذلك بالعودة لتزويد المقاتلات بمدافع رشاشة و رادار قوي و مدى طيران طويل و القدرة على حمل صواريخ ذات مدى طويل للاعتراض على مسافات بعيدة. و في عقـــد الثمانينات والذي شهد نقلة نوعية في تطور تقنية الطيران و مفاهيم و متطلبات الحرب الحديثة سعت الولايات المتحدة للبحث عن اسلوب جديد في التفوق الجوي حيث أعطيت الاولوية إلى تطوير مقاتلة تحقق التفوق بخاصية التخفي الراداري أى بعدم تمكن العدو من إكتشافها رادارياً حيث خرجت للوجود طائرة YF-22 و التي إفتتحت عصر طائرات الجيل الخامس بسعر يصل إلى 137 مليون دولار للطائرة الواحدة و التي إستمر تطويرها حتي نموذج الجديد F-35 ذات القدرة على التخفي و الاقلاع العمودي. و بالمقابل قامت السوخوى ببعض المحاولات لتصميم طائرة تفوق ذات قدرة على التخفي و لكنـــها لم تظـــهر للوجـــود إعلاميا بعد.
و لكن السوخوي عزز تواجدها بطائرة SU-30 متعددة المهام و التي إستخدمتها الهند لتعزيز تفوقها الجوي وخاصة بعد البحث في تطويرها بالتعاون مع شركة إلكترونيات طيران فرنسية إسرائيلية حيث تملك الهند حالياً حوالي 120 طائرة من نفس النوع و تسعى لرفع العدد إلى 230 طائرة.
و بنهاية القرن الماضي و مطلع الالفية الثالثة إندلعت حرب عالمية أقطابها دول تسعى لكسب السبق في مجالات التقنية العسكرية و جنودها تحالف شركات التقنيات العسكرية و أهدافها إحتلال الاسوق العالمية المتعطشة لإمتلاك عناصر القوة و التفوق و أصبحت الشركات المنتجة تسوق لمنتجاتها باسباغها بصفات ما هى إلا مفاتيح التفوق الجوي مثل طائرة متعددة المهام و طائرة تفوق جوي و طائرة من الجيل الخامس و غيرها حتى ان هناك جيلا جديدا بين الجيلين الرابع و الخامس سمى الجيل 4.5 سرعان ما اختفى لحساب الجيل الخامس مع ان التقنية لم تتغير إلا من خلال بعض التعديلات البسيطة. ولعل من أشهر الطائرات المنافسة حالياً طائرة الرافال الفرنسية و السوخوي 35 الروسية و طائرة اليورفايتر الاوربية وغيرها.
ولكن و مع التسارع الكبير في تطور التقنية و ما تبعها من تغير بعض المفاهيم العسكرية و مع صرف المليارات على أبحاث التطوير ظلت الحلقة الاضعف هي الثمن المرتفع لمقاتلات التفوق الجوي الحديثة متعددة المهام و التي حالت دون وصولها إلى الزبائن المفترضين كما كان متوقعاً خاصة أن طائرات التفوق الحديثة لا تطلب بأعداد كبير إذ يكفي عدد بسيط منها للقيام بكل المهام الجوية بفضل تقنيات إلكترونيات الطيران الحديثـة و إمكانيــة حـــمل تسليح متعدد الاغراض و المدي الطويل والقدرة على التزود بالوقود في الجو.
رجح بعض المحللين العسكريين أن البحث عن التفوق الجوي كان السبب الرئيسي وراء تطوير حاملات الطائرات و التي مكنت الطائرات من العمل في غياب و بعد القواعد الجوية الارضية. نهاية القرن الماضي و مطلع الالفية الثالثة إندلعت حرب عالمية أقطابها دول تسعى لكسب السبق في مجالات التقنية العسكرية و جنودها تحالف شركات التقنيات العسكرية و أهدافها إحتلال الاسوق العالمية المتعطشة لإمتلاك عناصر القوة و التفوق .
{facebookpopup}