تعد القيادة واحدة من أكبر الاحتياجات في عصرنا الحالي، ولكن ليس أي نوع من القيادة، إن القيادة المطلوبة في هذا العصر هي القيادة الإبداعية على وجه التحديد القادرة على إحداث تغيير جذري بنظرة مستقبلية تتمشى مع التطورات الجارية أو المتوقع حدوثها إن اهتمامنا بالقيادة في عصرنا الحالي اهتمام متوسط، وفي بعض الأحيان يجدها البعض غير جديرة بالاهتمام،
ويرجع السبب في ذلك إلى جهلنا بالقيادة في العصر الحديث، فالغالبية ليست متأكدة من ماهية القيادة، هل تتألف من خصائص معينة أم أنها مجرد سلوك مثل القدرة على الإقنـاع أو الكفاءة فى العمل؟ هل القيادة بالأساس تحفيز أو حشد طاقات المرؤوسين وكيف يكون الرئيس قادراً على أن يقود مرؤوسيه وهو منقاد إلى غيره؟ إن القيادة في العصر الحديث هي قيادة التغيير، فيجب أن يكون التغيير هو الأساس في القيادة، ويعتبر هو الأسلوب الأساسي في القيادة، ويعتبر هو الأسلوب الأساسي من أساليب الحياة بصفة عامة. وقيادة التغيير تتطلب ارتباط الجميع بها من رؤساء ومرؤسين، وهذه القيادة يجب أن تخلع عباءة الأمس واليوم، وترتدي حلة الغد والمستقبل وتأخذ بالوسائل الصحيحة للاندفاع نحو التطوير والتحديث نحو المستقبل، وليس الاهتمام بالماضي أو الحاضر، فالماضي قد مضى وانتهى، والحاضر مرحلة مؤقتة نحو الانتقال للمستقبل.فقيادة التغيير تعني خلق مكتسبات عاجلة ومبتكرة، فالمرؤوسون يحتاجون لبعض الشواهد المبدئية الدالة على الاتجاه نحو التغيير، وبذلك يحس ويلمس الجميع الأمل فيما هو قادم من نتائج مبشرة في المستقبل. وقيادة التغيير ليست ثابتة، وذلك يعني تفهم وجود إمكانية لظهور أفكار جديدة، وبذلك تملي على قيادة التغيير عدم الثبات، وإنما تتعايش مع أي تغير طارئ على مسيرة التنظيم والتغيير المطلوب إنجازه.وقيادة التغيير تعني التنافس مع الذات وتعني التكامل في البناء والتطوير.
باختصار شديد يمكن القول: إن قيادة التغيير هي القدرة على التركيز على الطاقة البشرية (طاقات وكفاءة وإقناع ومشاركة المرؤسين) من إجل الوصول إلي النتائج المرغوبة مع إمكانية التعديل والتغيير في الوسائل في طريق التنفيذ.
قيادة التغيير والأخلاق:
ان من أهم أسباب نجاح قيادة التغيير وجود الثقة بين المرؤوسين والقيادة، فالمرؤوسون يحكمون على قياداتهم في إطار المبادئ، وما يرد للذهن عند ذكر المبادئ هو الصدق، الاستقامة، العدالة، المساواة، النزاهة.فالمرؤوسون يتوقعون أن يتمتع قادتهم بالفضيلة والمصلحة العامة، ولا يرغبون في قيادات مؤثرة عليهم ومحبوبين لديهم فقط، ولكن يفضلون الرئيس والقائد الصالح الذي تتمحور فيه المبادئ الأخلاقية السابق ذكرها، فالتصرفات الخاطئةأوالسيئة من جانب القيادات للوصول لغايات نفعية خاصة تبطل النتائج الأخلاقية، وتؤدي إلى انهيار الثقة بين الرئيس والمرؤوس.
ومن أهم متطلبات قيادة التغيير أن يقوم الرؤساء بتشجيع المرؤوسين وأن يهتموا بتوحيد اهتماماتهم للوصول إلى نجاحات أكبر وأكثر استمرارية، ومن ثم إلى مستوى أعلى من العطاء والإنتاجية وفتح المجال أمامهم للمشاركة بالراى وعرض الأفكار الجديدة، ويجب أن يتوفر عمل لكل فرد منهم، فالشعور بعدم المشاركة في العمل يؤدي إلى الإحساس بالفراغ والتهميش وأخيراً إلى الاحباط.
مفهوم القائد في قيادة التغيير :
يرتكز المفهوم الجديد للرئيس والمرؤوس والعلاقة بينهما في خمس نقاط رئيسية هي:
1.المشاركون في القيادة أو عملية صنع القرار والمساهمة بجدية في تحقيق الأهداف هم المرؤوسون الايجابيون، أما السلبيون فلا وجود لهم في معادلة الرئيس والمرؤوس.
2. المرؤوسون الذين يظهرون نشاطاً فاعلا ًبتقديم المساهمات والأفكار الناجحة سواء كانت صغيرة أو كبيرة هم الذين لهم الحق في المشاركة الفاعلة في اتخاذ القرار وتفعيل العلاقة الصحية والسليمة بين الرئيس والمرؤوس.
3. في قيادة التغيير: القيادات ليست ثابتة، فمن كان رئيساً يمكن أن يتحول إلى مرؤوس، والعكس صحيح؛ لذلك يجب أن يتهيأ كل منهما للقيـــام بدوره حين يحين الوقت والظروف المناسبة لذلك.
4.علاقة الرئيس بالمرؤوس هي علاقة مرتبطة وواحدة، فأهدافهما واحدة وأنشطتهما نحو تحقيق الأهداف مشتركة ومترابطة، وأفكارهما نحو التطوير متبادلة فيما بينهم، فكلاهما يمثل نفس الأهمية، ولا يمكن التفريق بينهما، وذلك فى إطار النموذج الجديد لقيادة التغيير.
5.إن الأفكار الجديدة والتنظيمات الناجحة التي يقوم بها الرئيس هي التي تشجع وتجذب وتحفز المرؤوسين المؤثرين والمبدعين والفاعلين لأن يكونوا ضمن منظومة هذه القيادة ويلتفوا حولها، ويعملوا من أجل نجاحها وتطورها .
مواصفات القائد الناجح فى قيادة التغيير:
1. كلما توفر للقائد الإدراك السليم والوعي لقدراته والثقة بذاته وبالآخرين وبالبيئة المحيطة به، زادت إمكانية تأثيره على الآخرين ويكون قادراً على توجيههم نحو البذل والعطاء لتحقيق الأهداف التي حددها.
2. لا يجب على القائد الانجراف نحو نقاط قوته بما يجعله يتحول تدريجياً إلى صفات الديكتاتور المحب لذاته أو ممارسة أعمال تؤدي إلى بناء عازل بينه وبين مرؤوسه، أو بفتح ثغرات ينفذ منها المتسلقون لإيهامه بأنه الواحد القادر على قيادة هذا القطاع ولا يحتاج إلى آراء ومشاركة المرؤوسين.
3. يجب على القائد أن يكون قادراً على إيجاد توازن بين الحزم والتساهل، فالحزم ياتي بإنشاء علاقة أساسها الاحترام والود والإقناع مع المرؤوسين دون أن يسبب ذلك إلى التساهل المؤدي للفوضى وعدم الاحترام مما يعطي مؤشراً على ضعف القيادة يؤدي إلى تمرد وطمع المرؤوسين في إمـــلاء طلبات في غير صالح المصلحة العامة .
4. القائد الناجح في قيادة التغيير هو من له أثر و تأثير في مرؤوسيه، ويتوقف ذلك على قوة شخصيته، وعلى وضوح رؤيته المستقبلية، وعلى مدى سلامة سلوكه الشخصى، ومحافظته على مبادئ الأخلاق، وأقصى درجات نجاح القائد هو أن يتشبه مرؤوسوه به من الناحية الأخلاقية والقيادية والإنسانية وأن يتبقى أثره وتأثيره حتى بعد تركه للقيادة المكلف بها، وأن يكون نموذجاً وقدوة يحتذي بها من يأتي بعده. * هذه المحددات الأربعة للشخصية القيادية يمكن من خلالها وحسب درجة توفرها ومن خلال المزيج المتجانس منها أن تنمو الشخصية القيادية السليمة والصحيحة للقائد المطلوب في قيادة التغيير.
ومن أهم صفاتها قدرته على تحديد الاتجاه الرئيسي المؤمن به، ووضوح الرؤية، وقدرته على تبصر لمستقبل وصنع علاقة متينة وسليمة مع مرؤوسيه يساعدونه على تحقيقها.
الخاتمة:
هذا هو القيادي الذي نأمل أن يتواجد فى جميع المناصب القيادية بالجيش الليبي الجديد، فمن لا يجد في نفسه القدرة على توفر هذه الصفات يجب ان يتخلى عن الأنانية الفردية، ويبتعد عن قيادة ما هو مكلف به، ويعطي لراية لمن هو أحق منه بها دون أن ينقص ذلك من قدره بل يزيد ذلك من احترامه وتقديره لتفضيله المصلحة العامة على مصلحته الشخصية، وحتى لا يصل به الأمر إلى إبعاده بقرار من القيادة الأعلى عدم كفاءته أو عدم نزاهته أو لعدم إحترامه المبدأ الأخلاقي المطلوب للقيادة.
{facebookpopup}