بعد غياب القيادة القوية التي تستطيع السيطرة على دولة متعددة القوميات والأعراق مثل يوغسلافيا تدهورت الأوضاع في هذا البلد ، فبرحيل الجنرال جوزيف بروز تيتو، بما كان يشكله من قوة وقدرة في ضبط الأوضاع بين هذه الفوسيفساء التي تتكون منها الدولة
وجهده الكبير في السعي المستمر على صهر شعوب الدولة في أمة واحدة في إطار دولة يوغسلافيا فقد كان تيتو قـــادر اً عـــلى الإمــساك بخيـوط المعـادلة اليوغسلافية المعقدة
وهذا ما جعل يوغسلافيا تنزلق في جرف خطير بعد رحيله ، فقد ترك بعد وفاته فراغاً لم يستطع أن يشغله أحد بعده ، وهكذا عم الإرتباك في النظام السياسي القائم وظهر العجز الواضح في نظام الدولة وما زاد الأمر سوءً التغيرات الدولية أنذاك ، والأزمة الإقتصادية التي شملت العالم .
كان تيتو قبل وفاته قد كوَّن ، من خلال دستور الدولة ، مجلس رئاسي، يضم ممثلين عن الجمهوريات الست والإقليمَين، اللذين يتمتعان بالحكم الذاتي، يتم تداول رئاسة المجلس بين هؤلاء الممثلين وأن تكون قرارات المجلس بالإجماع، معتقداً هذا الوضع سوف يحقق التوازن بين القوميات، ويقف حائلاً ضد سيطرة قومية على أخرى، بعد وفات تيتو ، في شهر يناير 1980، أستمرت هذه الألية تعمل بشكل طبيعي، إلى أن جاء شهر مارس من 1981، حينما بدآت بوادر ثورة ألبان كوسوفو، الذين يشكلون أغلبية هذا الإقليم، الذي كان يتمتع بقدر من الحكم الذاتي، بعد الأزمات الاقتصادية الخانقة التي مرت بالبلاد بصورة عامة، وأقليم كوسوفو بصورة خاصة .
وقد عبّر ألبان كوسوفو بكل وضوح عن رغبتهم في الإستقلال ، وكانت هذه الثورة أولى الإرهاصات التي أدت إلى تفكك يوغسلافيا، وأول مِحنة واجهها المجلس الرئاسي، وقد قُمعت هذه الثورة بكل العنف كانت هذه أول الأزمات التي أمتحن فيها المجلس بعد غياب تيتو ، ولكنها لم تكن الأخيرة فقد تفجرت أزمة أخرى أخطر وهي الأزمة الدستورية ، عندما رفض أقليم صربيا والجبل الأسود إنتقال الرئاسة إلى ممثل الأقليم الكرواتي، وفشل المجلس في الوصول إلى الإجماع، وهو الشرط في إتخاد القرارات بالمجلس .
مع تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية، وارتفاع نسبة التضخم، وانخفاض قِيمة العملة، وتفاوت نِسب الدخول، نتيجة للتفاوت الاقتصادي بين الجمهوريات ، بدآت النعرات القومية والعرقية فرصتها للظهور ، وازداد الأمر تعقيداً، بعد أن بدأ الصرب في السير في الاتجاه القومي ، وزاد لهيبها المتطرفون الصرب فسرعان ما بدأت القيادات الصربية تستخدم النعرة القومية المتعصبة، كأيديولوجية بديلة، تملأ بها الفراغ .
وتمكنت من النجاح في إحياء المشاعر الصربية المتطرفة ، وظهر ذلك بوضوح في الوثيقة التي أقرتها أكاديمية العلوم والفنون الصربية، حول الأوضاع القائمة في يوغسلافيا، وموقف الصرب منها .
وهذه الوثيقة التي باركها وصدق عليها وتبنّاها ميلوسيفيتش، رئيس صربيا، وقد انتقدت هذه الوثيقة تيتو "الكرواتي" وشعاره القائل: "كلما كانت صربيا ضعيفة ازدادت يوغسلافيا قوة". ورأت أن نظام حكم تيتو، قد أدى إلى تقدم كبير في كرواتيا وسلوفينيا، على حساب الأجزاء الأخرى، وخاصة الصرب، التي تعمّد إضعافها. وبسبب هذه الوثيقة الصربية تعززت الروح العدائية المتعصبة والعنصرية، داخل الصرب
تجاه القوميات الأخرى ، وبذلك تزايدت المخاوف بين الجمهوريات الأخرى من التطور المرعب الحاصل في أقليم صربيا ، وخاصة أن الوثيقة تحدثت بوضوح عن أوضاع الصرب في كرواتيا والبوسنة.
وكرد فعل طبيعي ( وقائي ) ، بدأت الأصوات المنادية بالاستقلال ترتفع وتتزايد في هذه الجمهوريات، خوفاً من النهج الصربي العدواني المتزايد وإتقاء لأجتياح شبه مؤكد من المتطرفين الصرب لأرضهم ، ومما زاد من خوف جمهوريات يوغسلافيا ، ما أقدمت عليه القيادة الصربية من إلغاء للاستقلال الذاتي، الذي كان يتمتع به إقليما كوسوفو وفوفودينا، بموجب دستور الدولة عام 1974 ، وهذا إجراء يمكن وصفه بأنه إجراء قامت به القيادة الصربية لأختبار ردة فعل بقية الجمهوريات ، وفي ظل هذا الوضع، كان من الطبيعي أن تتصاعد المشاعر القومية المماثلة، بين القوميات الأخرى، دفاعاً عن النفس، مما دفع الكروات والسلوفنيين والمسلمين إلى اختيار طريق الاستقلال، كإجراء وقائي، في مواجهة الهيمنة الصربية المتنامية.
في الوقت عينه، أعلنت صربيا تحويل الحزب الشيوعي الصربي، إلى الحزب الاشتراكي الصربي .
في البوسنة، أُعلن، في شهر مايو 1990، قيام "حزب العمل الديموقراطي"، برئاسة علي عزت بيجوفيتش، وفي كرواتيا، فقد دارت معركة انتخابية فازت فيها جبهة المعارضـة القويـة التــي أيـدت فرانكو توديمـان، وقد أيده الكرواتيون لإصراره على معارضة الهيمنة الصربية،عقب رحيل تيتو التي تستهدف إقامة دولة الصرب الكبرى، بعد أن أعلنت جمهورية صربيا صراحة أنها سوف تضم إلى أراضيها كل المناطق التي تعيش فيها أغلبية صربية، سواء كانت في كرواتيا أو في البوسنة والهرسك أو غيرهما.
ولكن قيادات الصرب المتنافسة، والتي تشكل بقايا الطبقة الحاكمة السابقة في يوغسلافيا، لم تجد وسيلة لاكتساب الشرعية، إلا أن تستخدم النعرة القومية .
في الوقت نفسه بدأت كل من سلوفينيا وكرواتيا السعي للتخلص من هذه الهيمنة التي فرضت عليهما المتمثلة في صربيا. كان رفض الصرب لكل محاولات الاستقلال شديدة ، ولأجل ذلك تزعمت صربيا والجبل الأسود، اللذان يعتبران نفسهما ورثة يوغسلافيا القديمة، الدعوة إلى بقاء الصيغة الاتحادية ، وأيدهما في ذلك الجيش الاتحادي، الذي تسيطر عليه حكومة بلجراد. كان الإصرار الصربي على بقاء الصيغة الاتحادية كما هي، في ظل تصاعد القومية الصربية، وزعامتها للاتحاد، يعني وقوع سائر القوميات تحت هيمنتها، وبهذا يتحقق الحلم بقيام صربيا الكبرى، لذلك، قامت كل من كرواتيا وسلوفينيا بطرح صيغة جديدة ، التي يترتب عليها تفكك الإتحادية القديمة ومع الرفض الصربي ، طورت سلوفينيا الاقتراح إلى تكوين كيانَين، يضم كلٌّ منهما، طوعاً، الدول الراغبة في الإنضمام للإتحادية ، والآخر يضم الدول الراغبة في الإستقلال ، على ألاّ تُعدَّل
الحدود الخاصة بكل جمهورية، وهذا يعني فتح الطريق أمامها إلى الاستقلال عن صربيا. أما البوسنة، فقد طرحت حلاً وسطاً، يقضي باستقلال الجمهوريات الست، في ظل اتحاد كونفيدرالي مع الاعتراف بحدود كل كيان وخصوصيته، وسيادته على أرضه، وأن يكون لكل جمهورية حقها في رسم سياستها الخارجية، وإقامة تمثيل دبلوماسي خاص بها، مع قيام سوق مشتركة بين الجمهوريات ، وكان المشروع البوسني هو الأقرب للتطبيق فالاستمرار في الكونفيدرالية بهذه الشروط ، يعني الحفاظ على كيان كل أقليم كدولة مستقلة .
كل هذه الحلول لم تجد أذاناً صاغية لهذا بدأت سلوفينيا، التي ليس لديها أقلية صربية كبيرة في إتخاذ أول خطوة عملية في اتجاه الاستقلال ، فقد أوقفت العمل بالقوانين الاتحادية، وأعطت الأولوية لقوانينها المحلية، بما يعنيه ذلك من إقامة مؤسساتها الخاصة ، وتبعها في هذا الاتجاه جمهورية كرواتيا.
فجاء دور المؤسسة العسكرية الصربية، فبدأت المواجَهة الدامية، أولاً، في سلوفينيا. وكان قد سبقها، عام 1990، عمليات تحرش، لجأ إليها الصرب في سلوفينيا، فقد بدأت بتكوين جماعات مسلحة من الصرب المتعصبين، اتجهت في قوافل، بالسيارات، إلى لوبليانا، عاصمة سلوفينيا، حيث هاجمت الأهالي، واعتدت على محلاتهم ومنازلهم، وذلك في ظل حملة دعائية، وجهتها أجهزة الإعلام الصربية ضد سلوفينيا. اتهمت فيها أهلها بالهمجية وعدم التحضر.
كما قطعت الصرب علاقاتها بسلوفينا، وألغت أكثر من 500 عقد، تجاري وصناعي، وتحفظت كذلك على 225 مليون دولار، كانت لديها لحساب منتجين سلوفينيين. فردّت سلطات سلوفينيا بالتوقف عن دفع 48 مليون دولار، كديون مستحقة للصرب، الأمر الذي دفع بلجراد إلى إقحام الجيش الاتحادي في معارك داخل سلوفينيا. إلاّ أن القتال توقف، بضغط من الدول الأوروبية، ولكنه اندلع بين صرب كرواتيا، من جانب، والجيش الكرواتي، من جانب آخر ، ودام قرابة ستة أشهر ، سقط خلاله حوالي عشرة آلاف كرواتي، بسبب وجود أقلية صربية كبيرة في كرواتيا، تقيم بمنطقة كرايينا، يقدر عددها بحوالي 600 ألف نسمة، يشكلون 12% من السكان، شاركوا في الحرب ضد الكروات ، ولقد أدى التدخل الأوروبي، كذلك، إلى انسحاب الجيش الصربي من كرواتيا، وتوقف القتال في سلوفينيا وكرواتيا، في منتصف 1991. وإذا كان ذلك التوقف تم في سلوفينيا وكرواتيا ولكن الوضع كان مختلفاً، بالنسبة إلى البوسنة، التي كان نصيبها من أعمال العنف، التي مارسها الجيش الصربي أفظع وأشد عشرات المرات مما نال سلوفينيا وكرواتيا . عندما اشتدت الحرب، في صيف عام 1991، أدركت المجموعة الأوروبية، متأخرة، خطر استمرار المعارك، الدائرة في جمهوريتَي سلوفينيا وكرواتيا، فبادرت، مع الأمم المتحدة، إلى وقفها ، وكانت هناك رحلات مكوكية لعدد من المسئولين الأوروبيين ، إلى كل من بلجراد وزغرب، حصلوا، خلالها، على تعهدات من زعماء الصرب والكروات وموافقتهم على اتفاقيات لوقف إطلاق النار، وكانوا يعودون إلى بلادهم، في كل مرة، معلنين أن السلام أصبح في متناول الأيدي، لكن حقيقة الأمر كانت خلاف ذلك ،فقد كان جنرالات الصرب والكروات المتطرفون، وزعماء الميليشيات، الذين يريدون أن يكون لهم نفوذ على الساحة، ينتهكون هذه الاتفاقيات، بعد دقائق من توقيعها ، إلاّ أن نجاحاً للجهود الأوروبية، تحقق في وقف المعارك في سلوفينيا . وعندما توقف القتال في سلوفينيا، وهدأ، نسبياً، في كرواتيا، في منتصف 1991، بدأت المخاوف تتجه إلى جمهورية البوسنة والهرسك، خشية امتداد الصراع إلى هذه الجمهورية، بسبب الانقسام العِرقي الحادّ فيها، الناجم عن وجود ثلاث قوميات بأعتبار المسلمين قومية بحسب وصفهم في الغرب وهم المسلمون، ويشكلون 44% من عدد سكان البوسنة، البالغ تعدادهم 4.3 ملايين نسمة، ثم الصرب، ويشكلون 39% من السكان، وأخيراً الكروات، ويشكلون 17%. وقد تسارع شبح الحرب في الظهور في سماء البوسنة ، وبدأت تتجه نحو الحرب الأهلية بعد أن اعترفت مجموعة الدول الأوروبية باستقلال كرواتيا، في 25 من شهر يناير 1992، كان من الواضح أن المقاتلين الصرب في كرواتيا، تدعمهم الميليشيات الصربية والجيش الصربي النظامي ، عازمون على التهام الكثير من أراضي كرواتيا ، ولكن التدخل الأوروبي، خاصة من قِبل ألمانيا، حال دون ذلك، ودفع جمهورية كرواتيا الجديدة إلى التوصل إلى اتفاق مع الأقلية الصربية، الموجودة في أراضيها ، وانسحاب الجيش الصربي من الجارة جمهورية سلوفينيا . كان الخوف كبيراً من الذي سيحدث في البوسنة، وخاصة أن الميليشيات الصربية رفعت شعار الصليب والعمل على توظيف الدين، كعنصر من عناصر الصراع، سواء بين المسلمين والنصارى، أو بين الصرب الأرثوذكس والكروات الكاثوليك، وهو ما حدث بالفعل ، وقد زاد من هذه المخاوف التداخلات الموجودة بين المسلمين والصرب والكروات، في عدة مناطق. فإلى جانب وجود مناطق خاصة بكل قومية، تسكنها الأغلبية التي تمثلها، فإن هناك مناطق أخرى يتداخل فيها السكان المسلمون مع الصرب والكروات ، وما تحمله كل قومية من أرث تاريخي من العداء للقوميتَين الأخريَين.
وكان من الواضح أنه إذا ما نشب الصراع المسلح في البوسنة والهرسك، فإن كلاًّ من الأقلية الصربية والكرواتية في هذه الجمهورية، ستحصل على الدعم، العسكري والمادي، من الجمهورية الأم، التي تعتبرها امتداداً، جغرافياً وقومياً لها، داخل أراضي البوسنة. في حين يبقى مسلمو البوسنة دون دعم خارجي، لافتقارهم إلى التواصل الجغرافي مع أقرب دولتَين إسلاميتَين إليهم، وهما تركيا وألبانيا ،وهكذا إذا ما نشبت الحرب سيكون المسلمون هم الضحية ولم تكن هذه الروح العدائية ضد المسلمين . عندما أعلنت كلٌّ من كرواتيا وسلوفينيا استقلالها، عام 1991، واعترفت الدول الغربية بهما، أصبح موقف البوسنة حرجاً ، فهي لا تستطيع أن تبقى جزءاً من يوغسلافيا الجديدة، التي تمثّل، في حقيقتها، صربيا والجبل الأسود، تحت زعامة الصرب، الذين جاهروا برغبتهم في التوسع على حساب أراضي البوسنة ، لذلك أعلنت قيادة البوسنة، أنه لن يمكنها الاستمرار في اتحاد، لا يضم كرواتيا وسلوفينيا.
ولذلك، أعلنت، في 26 من شهر فبراير 1991، إجراء استفتاء، لمعرفة رأى سكان البوسنة والهرسك في استمرار الارتباط بيوغسلافيا القديمة، أو الاستقلال، كالجمهوريتَين الأخريَين، اللتَين استقلتا عن الاتحاد ، خاصة أنه مع استقلال كلٍّ من سلوفينيا وكرواتيا، بقي الكروات والمسلمون في البوسنة على جزء من بقية دولة يوغسلافيا، التي يسيطر عليها الرئيس الصربي ميلوسيفيتش.
رفض كل من ميلوسيفيتش، رئيس صربيا، وكارادازيتش، الذي أعلن نفسه زعيماً لصرب البوسنة، مبدأ الاستفتاء العام، الذي أعلنته حكومة البوسنة، وسعيًا إلى إلغائه بكافة الوسائل، بما في ذلك استخدام المتفجرات، إذ طالب صرب البوسنة ببقاء البوسنة ضمن يوغسلافيا الجديدة، وإلا فإنهم سيعلنون استقلالهم، والانضمام إلى صربيا. ولكن البوسنة، أجرت الاستفتاء، وكان على سكانها، ولا سيما المسلمين والكروات، أن يواجهوا خيارَين، لا ثالث لهما: إما الانفصال، أو قبول مواطنة من الدرجة الثانية، في دولة صربيا ، فجاءت نتيجة الاستفتاء توضح موافقة 70% من السكان على الاستقلال ، وقد اعترف باستقلال البوسنة والهرسك كل دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والدول الإسلامية، وأصبحت عضواً في الأمم المتحدة. وقد أنشأ المسلمون حزباً، وحرصوا على ألاّ يكون شعاره دينياً، حتى لا يثير الصرب والكروات ، وأسموه "حزب الجبهة الديموقراطية"، برئاسة علي عزت بيجوفيتش. كما تألف في البوسنة حزبان آخران ، أحدهما، يمثل الصرب الأرثوذكس في البوسنة ، والآخر، يمثل الكروات الكاثوليك فيها وأسفرت الانتخابات، عام 1991، حصول حزب المسلمين على 37% من الأصوات، وحزب الصرب الأرثوذكسي على 31%، وحزب الكروات الكاثوليك على 17%. ونجح الأحزاب الثلاثة في إقامة تحالف بينها، لتشكيل الحكومة، التي أختير علي عزت بيجوفيتش، زعيم المسلمين، رئيساً لها، وتشكل مجلس للرئاسة، يضم ممثلين عن الأحزاب الثلاثة.
هذا التحول السلمي للسلطة في جمهورية البوسنة والهرسك، التي أصبح يرأسها رئيس مسلم، لم يكن ليرضى عنه كلٌّ من رئيس صربيا ميلوسيفيتش، وزعيم صرب البوسنة، كارادازيتش، وكلاهما يستهدف إقامة دولة "الصرب الكبرى" على حساب شعب البوسنة والهرسك وأراضيه، وهما يرفضان، ومعهما كرواتيا، مبدأ إقامة دولة مسلمة، تفصلهم عن صربيا، فانفجر الصراع المسلح، أولاً، بين الصرب، من ناحية، والكروات والمسلمين من ناحية أخرى ، وتدخّل الجيش الإتحادي الذي يسيطر عليه الصرب إلى جانب الصرب، لتمكينهم من الاستيلاء على أكبر مساحة من أراضي البوسنة ، وعندما انسحب هذا الجيش الاتحادي من البوسنة، نتيجة لبعض الضغوط الخارجية، فقد جاء انسحابه شكلياً، إذ ترك، خلْفه، 80 ألف مقاتل صربي من قواته، بحجة أنهم من صرب البوسنة. ولقد ارتكب الصرب، في قتالهم داخل أراضي البوسنة، وضد أهلها المسلمين، أبشع المذابح الجماعية، ودمروا حوالي 56 مدينة وقرية في البوسنة تدميراً شبه كامل، بعد أن امتدت المعارك إلى جميع مدن البوسنة، بما فيها العاصمة سراييفو، وأصبح مجال الحرب الأهلية يشكل مثلثاً، أبعاده الصرب، كرواتيا، البوسنة والهرسك ،وعندما بدأ صرب البوسنة يستولون على أراضي المسلمين، تنكر الكروات لحلفائهم، بل تحالفوا مع الصرب ضدهم، وجعلوا هدفهم الرئيسي من الحرب، خلق دولة لهم في البوسنة، تشكل امتداداً لجمهورية كرواتيا. وإذا كانت جمهوريتا سلوفينيا وكرواتيا، قد وجدتا التأييد والمؤزارة، من قبل المجموعة الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، فإن الغرب، بعد أن شجع مسلمي البوسنة على إقامة دولة مستقلة، ذات عرقيات متعددة، لم يفعل شيئاً لمساندتهم. فقد أحجمت الدول الغربية عن سماع صوتهم، ولم تقدَّم إليهم شيئاً، سوى بعض أعمال الإغاثة الإنسانية. وفي الوقت الذي كان كلٌّ من صرب البوسنة وكرواتها، يحصلون على حاجتهم من السلاح والمعدات الحربية والذخائر، من الدولة الأم، صربيا وكرواتيا، نجد أن المجتمع الدولي فرض حظراً على تصدير السلاح إلى البوسنة، بموجب قرار مجلس الأمن الرقم 713، في 25 من شهر سبتمبر 1991، وهو القرار الذي لم ينفذ فعلياً، إلا على مسلمي البوسنة فقط، إذ أستمرت عمليات نقل السلاح والذخائر من صربيا وكرواتيا، براً، وجواً، إلى الميليشيات التابعة لهما، بينما منع الحصار المضروب على مسلمي البوسنة أي إمدادات سلاح أو ذخائر لهم من الخارج ، أما العقوبات، التجارية والمالية والجوية، التي فرضها مجلس الأمن على صربيا، بموجب القرار رقم 757 ، في 30 شهر مايو 1992، فلم يكن لها أدنى فاعلية أو تأثير، إذ أمكن الصرب الالتفاف عليها بوسائل مختلفة. ويلاحظ أن البوسنيين، خلال هذه المرحلة، عندما طرحوا مشروعهم حول اتحاد كونفيدرالي، يضم الجمهوريات الأربع، ويحافظ على الكيان اليوغسلافي، لم يكن لديهم، في البداية، رغبة في الاستقلال والانفصال بشكل كامل ، ولكن، كان كل ما يسعون إليه هو أن يحققوا درجة أعلى من الحكم الذاتي والسيادة لدولة البوسنة والهرسك على أراضيها، بحدودها القائمة، دون تجزئة أو انفصال، كما أن البوسنيين لم تكن لهم مطامع توسعية في الأقاليم الأخرى.
وقد ترتب على هذا الموقف، أنهم لم يعِدوا أنفسهم جيداً لمرحلة الاستقلال والدفاع عنه، عندما دفعتهم تطورات الموقف إلى ذلك، وأعلنوا استقلال البوسنة على الرغم من معارضة الصرب والكروات، المحيطين بالبوسنة من الخارج، وفي داخلها، في حين كان الصرب والكروات قد شرعوا، منذ مدة طويلة، يتحسّبون ويستعدون لهذه المرحلة، بتخزين السلاح، وتشكيل الميليشيات ، إضافة إلى خطأ آخر، وقع فيه البوسنيون، يتمثل في رهانهم، بقدر مبالغ فيه، على الموقف الدولي، والشرعية الدولية، والنظام العالمي الجديد !!! إذ تصوروا أن ذلك كافٍ للدفاع عن دولتهم، ما دامت قد نالت الاعتراف الدولي، وأصبحت عضواً في الأمم المتحدة، كدولة ذات سيادة، بحدودها التي حددها دستور يوغسلافيا السابقة، عام 1974 ، وهو رهان خاسر، دفعت البوسنة ثمنه غالياً، لأنها لم تدرك أن للغرب نظرة ومصالح أخرى مختلفة، وأن آليات النظام الدولي الجديد، يرسم الخريطة العالمية بطريقته. ولقد ترتب على كل هذه العوامل، أن كان الصراع بين البوسنة، من جهة، وصربيا وكرواتيا، من جهة أخرى، غير متكافئ، خاصة في ما يتعلق بالميزان العسكري، الذي كان يميل بشدة في غير مصلحة البوسنة. إذ كان الجيش الاتحادي، وميليشيات الصرب والكروات، والجيش الكرواتي، بكل ما يملكونه من قوة بشرية، وسلاح وعتاد وذخائر، في كفة، والبوسنيون المسلمون، بأسلحتهم وذخائرهم المحدودة، في كفة أخرى. ناهيك بما كانت تتمتع به صربيا وكرواتيا من محاور انتقال، برية وبحرية وجوية، تخدمها موانئ ومطارات وطرق تحرك، توفِّر للميليشيات التابعة لهما داخل البوسنة،
إمدادات لا تنقطع من دعم للحرب ، بينما كان الحصار مضروباً حول مسلمي البوسنة، براً وبحراً وجواً، وبينما كانت الإمدادات العسكرية والمتطوعون الروس، يتدفقون إلى صرب البوسنة، وإمدادات السلاح والذخائر من ألمانيا، تتدفق إلى كرواتيا، لم تجد البوسنة دولة واحدة في أوروبا، تمد إليها يد المساعدة، أثناء الحصار الذي ضُرب عليها، سواء من قبل صربيا وكرواتيا أو من قبل المجتمع الدولي، نتيجة قرارات مجلس الأمن.
هاجمت القوات الصربية التجمعات المدنية لغير الصرب في شرق البوسنة ، بعد أن وقعت تلك القرى والبلدات في أيديهم، حتى بدأت تلك القوات مع المليشيات شبه العسكرية وأحيانا بمساعدة أهالي القرى الصرب في تنفيذ خطة محددة وهي نهب وإحراق منازل وممتلكات البوشناق بصورة منهجية، وتجميع المدنيين من مسلمي البوسنة أو القبض عليهم، وقد يتعرضون للضرب المبرح أو القتل جراء تلك العمليات ، وقد تم تهجير ما يقارب 2.2 مليون بوسني عن أراضيهم ، وتم أحتجاز الكثير من الرجال في معتقلات ، أما النساء فكان يحتفظ بهن في مراكز اعتقال متعددة حيث يعشن في ظروف قاسية وغير صحية، ويتعرضن لأسوأ المعاملات بما فيها الأغتصاب المتكرر بصورة وحشية يندى لها الجبين .
ثم بعد ذلك اتجهت الأنظار صوب نوفي ترافنيك وغورني فاكوف عام 1992 ،في 18 من شهر يونيو 1992 أستلم الدفاع البوسني لمنطقة نوفي ترافنيك إنذاراً نهائياً من الكروات والذي تضمن قائمة مطالب لإلغاء مؤسسات البوسنة والهرسك الموجودة بها، وبسط سلطة الكروات في البوسنة والهرسك والتعهد بالولاء لها، والتبعية الكاملة لمجلس الدفاع الكرواتي وطرد اللاجئين المسلمين، على أن يتم هذا الأنذار خلال 24 ساعة ، وتم تنفيذ الهجوم بالفعل يوم 19 من شهر يونيو، وتعرضت مدرسة ابتدائية ومكتب بريد للهجوم والتدمير أما غورني فاكوف فتعرضت للهجوم يوم 20 من شهر يونيو 1992، ولكن الهجوم تم احباطه من قبل القوات المدافعة ، في شهر أكتوبر 1992 عندما هاجمت قوة كرواتية تجمعا للبوشناق في بروزور. وحسب لوائح الإتهام ضد أحد زعماء الكروات في المحكمة الدولية وهو جادرانكو بريليتش، فإن مجلس الدفاع الكرواتي قد قام بعملية تطهير عرقي للمسلمين من قرية بروزور والقرى المحيطة بها في 24 من شهر مايو 1995، أندلع القتال، مرة أخرى، بإطلاق الصرب النار، من الأسلحة الثقيلة، وإطلاق القوات الحكومية النار من مواقع مختلفة، من داخل المدينة،أستولت قوات صرب البوسنة على المزيد من الأسلحة وأُبلغ عن وجود دبابات وقواذف صاروخية، داخل "المنطقة الخالية من الأسلحة الثقيلة".
في 24 من شهر مايو 1995، قدم الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، بياناً، يؤكد فيه خطر الموقف ، وتَبِعَ ذلك صدور إنذار من قائد قوات الحماية، إلى كلٍّ من الحكومة البوسنية، وصرب البوسنة، بأن قواتهما ستتعرض للهجمات الجوية، إذا لم تتوقف نيران كافة أسلحتهما الثقيلة، بدءاً من الساعة 1200، من اليوم التالي ، حُدِّدَ موعد ثانٍ، بعد 24 ساعة من الموعد الأول، لإبعاد كافة الأسلحة الثقيلة، التي أدخلها إلى المنطقة كلا الطرفَيْن المتصارعَين، خارج أقصى مدى لها، أو تسليمها إلى "نقاط تجميع الأسلحة". وكانت قوات الحماية، عندما وجَّهت هذا الإنذار، تُدرك أن عدم الإذعان له، سوف يتطلَّب رداً قوياً، ما سيتسبب بتعريض أفراد قوات الحماية لخطر محقَّق. عندما أدرك صرب البوسنة، أن بلجراد عازمة على الاعتراف بالبوسنة، وفرض ما تتوصل إليه من اتفاقات عليهم، بادروا إلى قصف عشوائي للعاصمة، سيراييفو، في 25 من شهر مايو 1995، مما أدى إلى مقتل وإصابة حوالي 70 شخصاً ، وإزاء هذا التصعيد، وافقت الأمم المتحدة على إغارة طائرات حلف شمال الأطلسي على مواقع لقوات صرب البوسنة، حول العاصمة، سيراييفو، وعلى معقلهم، في مدينة بال. حدثت أول ضربة جوية، في الساعة 1620، يوم 25 من شهر مايو 1995، نتيجة عدم التزام صرب البوسنة بالموعد النهائي، المحدَّد لإعادة الأسلحة الثقيلة ، أختِير هدف الضربة الجوية، وهما مستودعَين، داخل مخازن ذخيرة، بالقرب من مدينة بال ، لتحقيق ضربة مؤثرة، مع تقليل أخطار حدوث خسائر في الأرواح، أو أضرار إضافية، وعقب الضربة الجوية، حاصرت قوات صرب البوسنة عدداً من "نقاط تجميع الأسلحة"، كما قصفت جميع المناطق الآمنة، باستثناء مدينة زيبا ، مما تسبب بإحداث خسائر فادحة في الأرواح، خاصة في مدينة توزلا ، حيث سقط 70 قتيلاً، وأكثر من 130 جريحاً، من المدنيين ، ومع استخدام الصرب للأسلحة الثقيلة، حول سيراييفو، وعدم إذعانهم لقرار إعادة الأسلحة الثقيلة، التي استولوا عليها، إلى "نقاط تجميع الأسلحة"، وُجِّهت ضربة ثانية ضد المستودعات الستة، الباقية في مخازن الذخيرة، في بال، في الساعة 10.30، من شهر مايو 1995 ، وردّت قوات صرب البوسنة بمحاصرة نقاط أخرى لتجميع الأسلحة، واحتجاز مراقبي الأمم المتحدة، واستخدام عدد منهم دروعاً بشرية، لمنع أي هجمات جوية أخرى ضد الأهداف الحيوية، كما قامت بقطع الكهرباء عن المدينة . في ظل هذا الوضع المهين للأمم المتحدة، والدول الأوروبية على وجه التحديد، الذي أظهرها بمَظهر العاجز عن حماية المدنيين، ووقف الاعتداءات، بل العاجز عن حماية جنودها أنفسهم، قدم الأمين العام للأمم المتحدة، الدكتور بطرس غالي، تقريراً إلى مجلس الأمن، في 31 من شهر مايو 1995، حدد فيه أربعة خيارات، في شأن مهمة القوات الدولية في البوسنة، وهي
- سحب قوات الحماية، التابعة للأمم المتحدة، مع ترك مجموعة سياسية صغيرة، في حالة رغبة الأطراف في ذلك.
- الإبقاء على الواجبات الحالية لقوات الحماية، والوسائل التي تستخدمها لتحقيق هذه الواجبات.
- تغيير التفويض الحالي بما يسمح لقوات الحماية باستخدام القوة استخداماً أوسع.
- مراجعة التفويض، ليشمل تلك الواجبات فقط، التي يمكن عملية حفظ السلام تنفيذها، بصورة واقعية، في ظل الظروف الحالية، السائدة في البوسنة والهرسك.
ووضح الدكتور بطرس غالي، أن الأحداث الأخيرة قد أظهرت أن أي بديل، يتضمن استمرار بقاء قوات الحماية في البوسنة والهرسك سيكون في حاجة إلى أن يصحبه قوات الحماية، والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، والهيئات المدنية الأخرى، العاملة معها. ويلاحظ أن الولايات المتحدة الأمريكية، حرصت على عدم المبادرة إلى أي تحرك، في ذلك الوقت، حتى بعد أن أسقط صرب البوسنة طائرة وزير خارجية البوسنة، ثم طائرة أمريكية، من نوعF-16، في 2 من شهر يونيو 1995، كانت تحلق فوق منطقة بانيالوكا، شمالي البوسنة. ونظراً إلى رضوخ المجتمع الدولي لمنطق القوة، الذي أخذ به الصرب، إلى التأكد من استبعاد فكرة التدخل العسكري الدولي، تواصلت المعارك، وتمكنت كرواتيا من إتمام خططها الرامية إلى استعادة السيطرة على إقليم كرايينا، وإنهاء استقلال كروات البوسنة بالإقليم، وذلك في أغسطس 1995، من دون السيطرة على سلافونيا الشرقية، الملاصقة لحدود صربيا. كما عاد صرب البوسنة، في أواخر أغسطس، إلى قصف العاصمة، سيراييفو. وعادت طائرات حلف شمال الأطلسي إلى الإغارة على المواقع الصربية، بالتعاون مع السفن الحربية، التي أطلقت صواريخها، على مواقع القوات الصربية.
اتفاق "دايتون" للسلام " نهاية الحرب
بعد أن وصل الصراع إلى مرحلة، شككت كثيراً في كل أطروحات انتهاء الحرب الباردة، وتسوية الصراعات بالطرق السلمية، وجعلت من الأمم المتحدة منظمة عاجزة عن حماية السكان المدنيين، أو وقف إطلاق النار، بل عن حماية قواتها نفسها، بادرت الولايات المتحدة الأمريكية إلى بذل جهود دبلوماسية مكثفة، استندت، أساساً، إلى الرصيد الذي حققته مجموعة الاتصال الدولية، التي تضم، إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، كلاًّ من روسيا الاتحادية وألمانيا وفرنسا وبريطانيا. وعلى الرغم من انطلاق المبادرة الأمريكية من حيث انتهت جهود مجموعة الاتصال الدولية، إلا أن واشنطن، حرصت على الانفراد بإدارة عملية التسوية، وبحسابات تتعلق بعلاقاتها المستقبلية بأوروبا الموحدة، وبمصلحة دورها العالمي، بعد انتهاء الحرب الباردة وفي هذا الإطار، واصلت واشنطن جهودها الدبلوماسية، عبر النشاط المكثف، الذي بذله مساعد وزير الخارجية، ريتشارد هولبروك، على الرغم من احتجاجات موسكو، وبعض العواصم الأوروبية الغربية. واعتمدت التحركات الدبلوماسية الأمريكية على ما حققته الدبلوماسية الأمريكية من قبل، على صعيد الاتحاد الفيدرالي بين المسلمين والكروات.
وبعد جهود دبلوماسية مكثفة، توصل مساعد وزير الخارجية الأمريكية، هولبروك، إلى اتفاق مع رؤساء البوسنة وكرواتيا ويوغسلافيا الجديدة، في 5 أكتوبر 1995، لوقف إطلاق النار، مهد لبدء مفاوضات مكثفة، في مدينة دايتون الأمريكية، في ظل إصرار أمريكي على استمرار المفاوضات حتى توقيع اتفاقية، تنهي الصراع، وتبدأ مرحلة جديدة من تاريخ جمهورية البوسنة والهرسك. لقد بدأت المفاوضات، بمشاركة رئيس البوسنة، علي عزت بيجوفيتش، ورئيس كرواتيا، فرانجو تودجمان، والرئيس الصربي، سلوبودان ميلوسيفيتش، في أول نوفمبر 1995. وبعد نحو 20 يوماً من المفاوضات المتصلة، أعلن الرئيس الأمريكى، في 21 نوفمبر 1995، توصل زعماء الدول الثلاث إلى اتفاق شامل، ينهي الحرب في البوسنة.
تدخل المجتمع الدولي لأنهاء هذه المأساءة بعد حدوث مذبحة سربرنيتشا فقد بدأت الحملة الجوية للناتو ضد جيش جمهورية صرب البوسنة في شهر اغسطس 1995، ورافقها هجوم بري للقوات المتحالفة من الكروات والبوسنيين ، وفي ديسمبر تم التوقيع على اتفاقية دايتون في مدينة دايتون بين رؤساء كل من البوسنة والهرسك علي عزت بيغوفيتش والكرواتي فرانيو تودجمان والصربي سلوبودان ميلوسيفيتش لوقف الحرب والبدء بإنشاء الهيكل الأساسي للدولة الحالية.
رقم الضحايا المتعرف عليهم يصل العدد الإجمالي للقتلى إلى 110,000 قتيل ما بين مدني وعسكري، وتم تهجير حوالي 1.8 مليون شخص عن مناطقهم. وقد تم اعلان هذا من قبل اللجنة الدولية لشؤون المفقودين. وفقا للأحكام التي أصدرتها محكمة الجنائيات الدولية ليوغوسلافيا السابقة في النزاع الحاصل بين البوسنة وجمهورية يوغوسلافيا الإتحادية (والمسماة لاحقا بصربيا والجبل الأسود)
اتهمت الحكومة البوسنية لاحقاً في محكمة العدل الدولية صربيا بإشتراكها في جريمة الإبادة الجماعية للبوسنة خلال الحرب فقرار محكمة العدل الدولية جاء على نحو فعال بتحديد بأن طبيعة الحرب هي دولية، بالرغم من تبرئة صربيا من المسؤولية المباشرة عن الإبادة الجماعية التي ارتكبتها القوات الصربية في جمهورية صرب البوسنة، إلا أن المحكمة خلصت بأن صربيا فشلت في منع الإبادة الجماعية التي أرتكبتها القوات الصربية وفشلت في معاقبة أولئك الذين نفذوا الإبادة الجماعية، وخاصة القائد راتكو ملاديتش ومن ثم تقديمهم إلى العدالة .
مجازر يندى لها الجبين
كانت سربرنيتشا واقعةً تحت حماية الأمم المتحده بعدما كانت من ضمن الكثير من المدن والقرى التي انهكتها الحروب بين البوسنيين والصرب ، وكانت قوة الحماية الدولية فيها مكونة من 450 جندياً هولندياً .
في صبيحة ذلك اليوم الحادي عشر من شهر ـ يوليو عام 1995 دخل الجنود الصرب المدينة دون أي منع أو مقاومه من قبل قوات الأمم المتحده أو المقاومة المسلمة المحاربة والصغيرة القوام والضعيفه ، وقد قام هؤلاء الجنود بجمع جميع سكان القرية البالغ عددهم ما يقارب خمسة وعشرين ألفاً في مكان ٍ يدعى ببورتكارى ( poto?ari ) ، وتفقد قائد الجيش الصربي راتكو ميلادتش الأهالي وطمأنهم إلى ان كل شيءٍ سيكون على ما يرام ، وقام بحمل طفلٍ صغير وسأله ما اسمك يا صغيري ، فأجابه الطفل عبدالله يا سيدي ، فابتسم له ابتسامة ً تبين لاحقاً انها ابتسامة ذئب ٍ في وجه ضحيته ..
في صبيحة اليوم التالي قام الصرب بفصل الرجال عن النساء ، وتم جمع ما يقارب ثمانية ألاف رجل ممن هم في سن القتال ( ما بين الـ 16 والـ 70 عاماً ) في مكان ٍ يدعى ( البيت الأبيض ) بينما حُمل بقية الأهالي من نساءٍ واطفالٍ وعجائز في حافلات وتم نقلهم بعيداً عن اماكن النزاع ، وقد تبين لاحقاً أن اكثر هذه الحافلات لم تصل إلى بر الأمان ، بل قُتل من فيها ودفنوا في مقابر جماعية ، تم تقسيم الرجال الثمانية ألاف إلى مجموعات مكونة من 1500 أو 2000 ، ونقلت هذه المجموعات إلى أماكن متعددة تحت سمع ومرأى قوات الأمم المتحدة الهولندية التي تبين لاحقاً انها كانت تعرف بما يخطط له الصرب حيث استقالت الحكومة الهولندية بعد ان اثيرت فضيحة التجاهل والسكون من قبل قواتها بما حدث .
تم نقل المجموعة الأولى إلى إحدى المزارع القريبة والتابعة للقوات الصربيه ، وهناك بدات المذبحه !! ، تم وضع الرجال في عدة صفوف ، وأمروهم بالتقدم ، وكان يسير خلفهم الجنود الصرب ، وبعد ان تقدموا عدة خطوات قام الجنود بإطلاق النار عليهم من الخلف وأردوهم جميعاً قتلى .. حتى أمتلئت الأرض بالجثث.
بقي من أهل رجال سربرنيتشا من هذه المجموعة فئة قليله ، توقف الجنود عن القتل واخبروهم بأننا قد عفونا عنكم ، وعليكم حمل هذه الجثث الى ذلك الكوخ الصغير في أعلى المزرعه ، ولك ان تتخيل هذا الموقف الرهيب ، حينما يحمل الأب أبنه والأخ أخاه وهو جثة هامدة بصورةٍ غير لائقة ليلقي به ككيس نفايات ، وحين أنتهوا من نقل الجثث ومازال الجنود متواجدون بالخارج قامو بفتح نيرانهم عليهم وأردوهم قتلى فوق من سبقوهم .. وبعد ذلك ، جاءت جرافات تابعة للجيش وقامت بردم الجثث في حفر كما تردم النفايات لتكون مقابر لهم تم إكتشاف هذه المقابر مؤخراً . كما سيقت مجموعة أخرى إلى مسرح كبير ، وكان عددهم يتراوح بين أربعمائة وستمائة رجل تم إقفال المسرح عليهم ، ويوجد بالمسرح فتحات صغيرة في الجدران تستخدم للإضاءة المسرحية ، صوب الجنود أسلحتهم الرشاشة من خلالها وفتحوا النيران بعشوائية على هذا الجمع ، بدأ المسلمون يسقطون واحداً تلو الأخر ، وحاول بعضهم أن يلوذ بالفرار وأن يختبيء تحت خشبة المسرح ، فما كان من الجنود إلا أن ألقوا بالقنابل اليدوية تحت الخشبة أيضاً ، لتتناثر أشلاء من ظن أنه في أمان.
وشهد الملعب الرياضي جريمة أخرى في سلسلة هذه الجرائم فقد تم قتل من تبقى حيث تم جمعهم في ساحة الملعب وقتلوا بنفس الطريقة ، وتم دفنهم هناك كما دفن من قبل من سبقهم ..
وقد تم بعد ذلك تباعاً الكشف عن هذه المقابر الجماعيه ، كما وقد تم التعرف على هويات ما يقارب من ألفين وخمسمائة شخص منهم عن طريق تحاليل الحمض النووي DNA .
نماذج أخرى من مذابح الصرب - كان يتم حشر الأسرى المسلمين في مناطق صغيره وغرف رثه لا تصلح لسكن البهائم ومن يمرض منهم لا يعالج بل يقومون بقتله أمام باقي الأسرى .
- في بداية الحرب على مدينة سراييفو قاموا باحتجاز المسلمات من سن 15 إلى سن 25 سنه في داخل ملعب رياضي مغلق ، فقاموا بأبشع صور الإستهانة بالإنسان من تنكيل وتعديب وإغتصاب .
- ذات يوم دخل الصرب قرية سيمزوفاتس قرب سراييفو وذهبوا إلى إمام المسجد وأمروه أن يبصق على المصحف فأبى وحاولوا معه فأبى فقاموا بقتله وقتل كامل أسرته ودفنوهم تحت المسجد وقاموا بإحراق المسجد .
كل ما عرض ألا يجعلنا نفكر ألف مرة بإعداد القوة تصديقاً لقول الله سبحانه وتعالى : بسم الله الرحمن الرحيم (وَأَعِــدُّواْ لَهـــُم مَّــا اسْتَطَعْتُـــم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ) صدق الله العظيم [ سورة الأنفال: 60 ].