من خلال سلسة المقالات التقنية التي تنشرها المجلة من خلال باب العلوم و التقنية و ضمن الخطة الرامية الى نشر المعارف ذات الطابع التقني بشكل مبســــط نستمـــر فـي عـرض مواضيــع جديـدة و حيويــة للمساهمة في الرفع من المستوي الثقافي و الفكري للمهتمين بأساسيات التقنيات الحديثة و مجالات تطبيقها.
سنعرض في هذا العدد موضوع عن شعاع الليزرو تطبيقاته العسكرية و التي اصبحت اليوم تنتشر بشكل كبير في الكثير من الاسلحة و المعدات العسكرية.
يعرف شعاع الليزر (Laser) في ابسط اشكاله بأنه ضوء اي موجات كهرومغناطيسية و لكنه ذو طبيعة خاصة تتمثل في تخفيز الشعاع الضوئي ليولد طاقة عالية و كلمة ليزر هي عبارة عن اختصار لمصطلح يعني (الضوء المضخم بالاشعاع المحفز من الانبعاث ) و قد تختلف الترجمات العربية للمصطلح من مرجع لآخر و هي بالانجليزية
(Laser" Light Amplification by Stimulated Emission of Radiation") يرجع تاريخ اختراع الليزر في ابسط صوره الى سنة 1917 بواسطة العالم الشهير ألبرت اينشتين عند عمله في الابحاث المتعلقة بفيزياء المواد المشعة و الكهرومغناطيسية. و توالت الابحاث المتعلقة بهذا الشعاع المثير للاهتمام من قبل علماء الفيزياء لمحاولة فهمه أكثر و النظر في امكانية الاستفادة منه في تطبيقات عملية و خاصة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية حيث كان هناك متسع من الوقت لإجراء الابحاث و توفير الدعم المادي لها خاصة بعد ان تبين للعالم اهمية استخدام التقنيات الحديثة خاصة في الصراعات العسكرية ، فبحلول العام 1950 تمكن العالم ألفريد كاستلير من توليد شعاع الليزر من خلال تضخيم الشعاع الضوئي من خلال ما يسمى بالمضخات البصرية و هى الطريقة العملية التي تم اعتمادها بعد ذلك بسنتين. أما توليد الليزر بشكله الحالي فبدأ في منتصف سنة 1960 بواسطة العالم ثيودور مايمان و يعتبر البعض ذلك بمثابة الانطلاقة الحقيقية لليزر كمجال بحث مهم و حيوي و خصصت الدول المتقدمة لذلك مليارات الدولارات لدعم الابحاث و التجارب المتعلقة به.
طبيعة شعاع الليزر
بما أن الليزر هو عبارة عن ضوء في الاساس اي انه اشعة كهرومغناطيسية و لأن الضوء يتكون من عدة اطياف مثل الضوء المنظور و الاشعة تحت الحمراء و الاشعة فوق البنفسجية و الاشعة السينية و غيرها ، إذاً يمكن الحصول على الليزر من كل تلك الاطياف و التي تعد الانواع المختلفة لليزر.
و من الناحية الفيزيائية الليزر هو عبارة عـن موجـات دقيـقة أو ما يعـرف بالميكرويف ذات ترددات مختلفة يمكن الحصول عليه من خلال تمرير الضوء خلال عاكسات بصرية بعد زيادة الطاقة المنبعثة خلاله عبر الوسط المار به الذي يجب ان تتميز المواد المصنوعة منه من طبيعة خاصة تمكنه من تضخيم الطاقة المنعثة من الموجات الكهرومغناطيسية كل ذلك يتم من خلال اثنين من المرايا تعكس الضوء الذي يتم تضخيمه و يتحرك ذهاباً و إياباً بسبب انعكاسه المتكرر داخل الوسط الذي يمده بالطاقة و جزء من ذلك الضوء يخرج من خلال الفتحة بين المرايا العاكسة ليخرج على هيئة شعاع دقيق و مركز و ذلك هو الليزر في ابسط صوره.
ما يميز شعاع الليزر أنه من الممكن ارساله على هيئة حزمة شعاعية دقيقة جداً كما انه يمكن تجميعه في نطاق ضيق من خلال عدسات مجمعة و زاد المدي الذي يمكن ان يصل اليه شعاع الليزر المولد من بضع امتار الي مئات الكيلومترات و ذلك بحسب الطاقة المرسل بها و كذلك بإستخدام تقنيات و مواد عالية التقنية.
أنواع الليزر وتطبيقاته :-
تختلف أنواع الليزر باختلاف طبيعة المواد المولد منها و بحسب الاستخدام ،فمن ابسط تلك الانواع الليزر المولد من الغازات المختلفة مثل الهيليوم و النيون و الذي يمكن توليده في المعامل الجامعية و هو يشبه في نظرية عمله نظرية مصابيح النيون و يتميز برخص تكاليفه إذ إنه لايحتاج الى اجهزة معقدة لتوليده.
أما الليزر المولد بواسطة ثاني اكسيد الكربون و الذي تصل الطاقة الناتجة عنه الى مئات الكيلووات و هو الليزر المستخدم في المجالات الصناعية ومن اهم تطبقاته اعمال اللحام و القطع حيث ان طاقته العالية تولد حرارة عالية جداً و في زمن قصير تجعله قادر على صهر المعادن كما ان كلفة توليده عالية.
كما ان هناك انواع اخرى من الليزر تعتمد على الخصائص الكيميائية المميزة لبعض المواد المستخدمة في عملية تحفيز الموجات الكهرومغناطيسية.
و من الناحية التجارية اصبح الليزر يستخدم بشكل واسع في عدة تطبيقات خاصة مع سهولة توليده فمن الطابعات الليزرية الى مشغلات الاقراص المدمجة (CD/DVD) و تعد مثل هذه الاجهزة من ضمن مستخدمات الليزر المنخفض الطاقة و الذي ايضاً تستخدمه الماسحات الليزرية كتلك المستخدمة في قراءة الباركود الذي يحتوي بيانات المنتجات المختلفة المتوفرة في الاسواق او المكتبات او بطاقات التعريف و غيرها.
كمـا أن لليـــزر إستخدامــات عديــدة في المجالات الطبية و خاصة في الجراحات
الدقيقة و المعقدة مثل عمليات تفتيت الحصى في الكلية و جراحات تصحيح البصر و جراحة الاسنان و غيرها. أما من الناحية التجارية الاستهلاكية فلليزر عدة استعمالات نجدها في حياتنا اليومية مثل الطابعات و الماسحات الضوئية و الاسطوانات المدمجة و المؤشرات التي تستخدم في المحاضرات و في العروض الضوئية التي تقام في المهرجانات و الاحتفالات.
و تختلف الطاقة المنبعثة من الليزر بحسب الاستخدام فمثلاً الليزر المستخدم في اقلام التأشير تعتبر الاقل من ناحية الطاقة حتى لا تسبب في ضرر على الاجسام الساقطة عليها و تأتي بعدها مشغلات الاسطوانات المدمجة بينما تكون الانواع المستعملة في العمليات الطبية ذات طاقة عالية حتى تمكن من احداث التأثير المطلوب على الجزء الذي تجرى فيه الجراحة و يلى ذلك الليزر المستخدم في الصناعة و التي يتمتع بطاقة عالية جداً تولد حرارة عالية تستطيع قطع اشد المعادن صلابة و تذوب معادن اخرى في عمليات اللحام الدقيقة و المعقدة.
و بسبب الطاقة العالية المتولدة عن الليزر تم تصنيفه الى عدة مستويات من ناحية خطورته فمن ناحية السلامة حتي الليزر منخفض الطاقة كذلك المستخدم في اقلام التأشير يعتبر من الخطورة بمكان عندما تتعرض له العين بشكل مباشر و السبب في ذلك يرجع الى ان شعاع الليزر يتركز في عدسة العين عند نقطة محددة مما يسبب فى حروق خطيرة في شبكية
العين. و لهذا يقسم الليزر الى 4 مستويات بحسب شدة خطورته حتى تؤخذ الاجراءات المناسبة عند استخدام المعدات المزودة بمولدات لشعاع الليزر.
التطبيقات العسكرية
نظراً لامكانية الحصول على شعاع ذي طاقة عالية جداً و يمكن تركيزه بدقة في اماكن معينة و قدرته على الوصول الى مسافات بعيدة و احداث اثار مدمرة جري استغلال هذه التقنية من خلال شعاع الليزر كسلاح مؤثر خاصة في الحروب الحديثة و التي لازال سلاح الليزر فيها قيد البحث و التطوير ، وترجع قوة تأثيره الى الحرارة العالية جداً التي تتولد عند ارتطامه بالسطح الذي ترتفع درجة حرارته بشكل يؤدي الى حرقة و اختراقه خاصة عندما يأتي على هيئة نبضات متوالية كأنه مدفع رشاش.
كما انه يستخدم كذلك كسلاح لإحداث العمي بتسليطه على اعين الجنود أو الطيارين أو سائقي الدبابات و المدرعات و غيرها و لا يخفى هنا تأثير الليزر السئ المستخدم في بعض السيارات التي تستخدم الاضاءة الليزرية مع ان الطاقة الناتجة عنــــها منخفضة جداً كتلـــــك المستخدمةكسلاح ضد الرؤية. و في الربع الأول من هذا العام تمكنت شركة نورثروب جرومان من صنع و اختبار مدفع ليزر بقدرة و صلت الى 100 كيلو وات و الذي تكفي الطاقة الناتجة عنه لتدمير دبابة او طائرة.كما أن من تطبيقاته الكثيرة هي تحديد المدى بإرسال حزمة من الشعاع منخفض الطاقة و استقباله على مرآة عاكسة بعد انعكاسه من الهدف و بحساب السرعة و الزمن يمكن حساب المسافة المقطوعة بين مصدر الليزر و الهدف و كذلك يستعمل لتتبع الاهداف و كذلك امكانيته لتدمير الصواريخ الجوالة و الصواريخ البالستية.و الآن هناك تجارب فعلية لمدافع الليزر المحمولة جواً حيث تم تجربتها من على متن طائرة C-130 و الذي تم تطويره لضرب و إذابة الدبابات و الدروع و احداث ثقوب يصل قطرها الى عدة سنتيمترات و يمكن اطلاقه من مسافة 5 اميال.
كما أن من أكثر التطبيقات فاعلية هو استخدام الليزر لتضليل الصواريخ الحرارية بأن يصدر الهدف المطارد من قبل هذه الصواريخ اشعة ليزر ذات قوة متغيـرة وفي اتجاهات متعددة ليصعب على الصاروخ تحديد هدفه الحقيقي.
ولعل من اشهر ما عرف عن الليزر حتى من افلام الخيال العلمي التي اصبح العديد منها حقيقة واقعة اليوم هو ما عرف في حقبة الثمانينات بحرب النجوم و التي اجريت من خلالها بعض التجارب السرية لضرب الاقمار الصناعية من اقمار صناعية اخرى تحمل مدافع ليزر، كما ان تلك الطريقة يمكن استخدامها حتى من الارض لضرب الاقمار الصناعية التي تستخدم المدارات الارضية المنخفضة. و هناك كذلك التصويب بالليزر للقنابل الموجه و كذلك للاسلحة الخفيفة مثل المسدسات و البنادق حيث تتميز هذه التقنية بدقة تحديد الهدف المضاء بالليزر و من ثم اطلاق القنبلة التي تتتبع بدقة المسار المحدد لها من خلال الموجه الموجود على متن الطائرة و تنطبق نفس النظرية على الاسلحة الخفيفة حيث يتمكن الرامي من رؤية مكان الهدف بدقة كبيرة. و هناك اليوم ابحاث تجري للبحث في إماكانية توجيه الطلقات اثناء طيرانها حتى لا تخطيء الاهداف المتحركة.
قد يكون هناك العديد من التطبيقات العسكرية التي لم نتطرق إليها في هذا المقال المبسط و قد نترك المجال لتناول تلك التقنيات بالمزيد من البحث و التفصيل في مقالات تخصصية لاحقة خاصة مع ما يشهده هذا المجال من تطور سريع مع تزايد اهمية الليزر كسلاح عصري حديث.
ملاحظة: الصور والفيديوهات المصاحبة للمقال حديثة