معركة بدر الكبرى وفتح مكة حدثان بارزان لهما طابع عسكري ومصيري في نشأة الدولة الاسلامية وقعا منذ أكثر 1440 عام هجري كأحد أبرز الأحداث الإسلامية العسكرية التي أظهرت ما يتمتع به رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام من قيادة وحنكة
عسكرية وإدارية وما يتمتع به من صفات القائد العسكري من التخطيط والتفكير الإستراتيجيي والمرونة والشجاعة والصبر والحكمة والقدرة على إتخاذ القرارات الحاسمة في الوقت المناسب, فقد إستطاع عليه الصلاة والسلام قيادة قواته واعادة تنظيمها لتتمكن وهي قليلة العدد من إحراز نصر مؤزر في أول مواجهاته مع المشركين مع قبيلة قريش وهزيمتهم في معركة بدر الكبرى في السنة الثانية للهجرة تلك المعركة التي أقل ما يقال عنها أنها غيرت وجه التاريخ الإسلامي ثم ما كان في السنة العاشرة للهجرة حيث الحدث الاستراتيجي الاكبر في مسيرة الدولة الاسلامية عندما أجتاحت قوات المسلمين مكة في فتح عظيم كان له تأثيره وصداه على خارطة العالم السياسي منذ ذلك اليوم وحتى وقتنا الحاضر.
غزوة بدر العلامة الفارقة في التاريخ الحربي الإسلامي وقعت في صبيحة يوم (17 رمضان العام الثاني هـ / مارس 624م) على أرض بدر , وبدر محطة لمرور القوافل المتجهة إلى الشام والعائدة إلى مكة المكرمة، وموقعها الجغرافي بين مكة والمدينة أسفل وادي الصفراء , تُعتبر من أهم المعارك في التاريخ الإسلامي وتمثل أول مواجهة عسكرية بين المسلمين وجيش قريش.
بعد الإذن بالجهاد بلغ المسلمون تحرك قافلة كبيرة تحمل أموالا وتجارة لقريش عائدة من الشام بقيادة أبي سفيان فانتدب النبي صلى الله عليه وسلم، أصحابه للخروج من المدينة لإعتراض القافلة وتعجل بمن كان مستعدا للخروج دون انتظار سكان العوالي لئلا تفوتهم القافلة والسيطرة عليها ولم يكن في حسبانهم أن قريش استنفرت قوتها لحماية قافلتها.
لم يكن جيش المسلمين كامل الجاهزية ومع ذلك خرج من المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، منهم من الأنصار بضع وأربعين ومائتين، ولم يكن معهم إلا فارسين، وسبعون بعيرا يتعاقبون على ركوبها نحو بدر وعلم أبو سفيان بخروج المسلمين لأعتراض القافلة التي كان يرأسها فتجنب الصدام معهم وغير طريقه فسلك بها طريق الساحل.
خرجت قريش للخروج دفاعا عن قافلتها في حشد قتالي بلغ تعداده نحو 1000 مقاتل معهم 200 فر، وحشدت كل طاقتها، ولم يتخلف منها إلا القليل، فقد رأت قريش في ذلك إنتقاصا من هيبتها وتعديا على مواردها واقتصادها، وبلغ عددهم نحو ألف مقاتل، ومعهم مائتا فرس.
وهنا بدا الفرق كبيراً بين القوتين من حيث العدد والعدة وهنا بدأت القيادة الإسلامية في التخطيط الجيد الذي شمل عدة عناصر كونت في مجموعها نصراً حاسماً البداية كانت بإعلان حالة النفير العام وتعبئة القوات بما أمكن والتوجه نحو موقع المعركة الذي أختير بعناية بالغة في بئر بدر والذي حقق ميزة تعبوية للمسلمين بسيطرتهم المصدر الوحيد للمياه بالمنطقة وبذلك حرموا عدوهم من امكانية التزود بالمياه وعززوا الشؤون الإدارية لقواتهم وكان الصحابي الحباب بن المنذر رضي الله عنه قد أشار على النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل ماء بدر خلفه، فقبل النبي صلى الله عليه وسلم مشورته وأخذ برأيه.
كما قام المسلمين بتأسيس مقر للقيادة في موقع مختار بعناية يقود من خلاله الرسول الكريم العمليات العسكرية مع هيئة أركانه مع تنظيم أعمال الرصد والحراسة لموقع القيادة وتم إختيار قادة الصفوف والمحاور وترتيب وتنظيم قوة جيش المسلمين وواجباتهم القتالية خلال المعركة , وتَكفّل الصحابي سعد بن معاذ مع شباب من الأنصار بحماية وتأمين مقر قيادة قوات المسلمين الذي كان له الرأي السديد في إنشائه.
صبيحة يوم المعركة نظم صلى الله عليه وسلم قواته في صفوف للقتال فبدأ بمبارزة حاسمة بين قادة الطرفين سقط على أثرها قادة المشركين ما أثر في معنوياتهم ثم بدأـ مراحل القتال الفعلي ببدء الرماة في رشق جيش المشركين بالنبال والرماح لإحداث أكبر تأثير عليهم في حركة منظمة توازي بما تقوم به وحدات المدفعية في حروب اليوم من بدء عمليات التمهيد المدفعي وما في حكمها ، وبقي صلى الله عليه وسلم في مقر قيادته يدير المعركة، وجعل صلى الله عليه وسلم يكثر من دعاء ربه، حتى سقط رداؤه، فأتاه أبوبكر، وقال له: يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك؛ فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل {إذ تستغيثون ربكم فٱستجاب لكم أني ممدكم بألف من ٱلملاۤئكة مردفين} "الأنفال: 9" فخرج وهو يقول: {سيهزم ٱلجمع ويولون الدبر} "القمر: 45".
ثم التقى الجيشان في قتال تلاحمي عظيم بالسيوف والرماح ، وأمد الله سبحانه وتعالى المسلمين بألف من الملائكة يتبع بعضهم بعضا ً ونزل ذلك قرآناً في قوله تعالى: {إذ تستغيثون ربكم فٱستجاب لكم أني ممدكم بألف من ٱلملاۤئكة مردفين * وما جعله ٱلله إلا بشرىٰ ولتطمئن به قلوبكم وما ٱلنصر إلا من عند ٱلله إن ٱلله عزيز حكيم} [الأنفال: 9-10].
قتل من المشركين سبعون رجلا وكان من بين القتلى عدد من زعماء قريش، منهم: أبو جهل، عمرو بن هشام،وأمية بن خلف وغيرهم وكان عدد الأسرى من قريش سبعون رجلا، وفر بقية المشركين، تاركين وراءهم غنائم كثيرة في أرض المعركة، دفن صلى الله عليه وسلم شهداء المسلمين، وهم أربعة عشر شهيدا.
كسب المسلمون من مشاركتهم في القتال مهارات عسكرية، وأساليب جديدة في الحرب، فقد تميزت المعركة ببعض الأحداث الرئيسية حيث أعتمد النبي صلى الله عليه وسلم على مفارز الاستطلاع لتتبع أخبار قافلة قريش، ما مكنه من معرفة تحركات العدو , وقد كانت هذه الخطوة حاسمة في تحديد مسار المعركة كما تم اختيار ميدان المعركة والذي كان له ميزة إستراتيجية لجيش المسلمين فقد اختاره المسلمون قرب بئر بدر، وتمركزوا فيه ما منحهم ميزةً دفاعيةً وتنظيمية كبيرة.
بالإضافة الى النصر العسكري الكبير إضافت معركة بدر بعداً سياسيا وعسكرياً كبيراً على مسار التاريخ الإسلامي فقد تعززت مكانة وقوة الدولة الإسلامية وانجذبت العديد من القبائل إلى الإسلام وأرتفعت معنويات المسلمين الذين كانوا مستضعفين إلى وقت قريب وفي المقابل كانت النتيجة كارثية على قريش التي منيت بخسائر فادحة في عدد مقاتليها وأموالها، مما أثر في نفوذها السياسي والاقتصادي ومكانتها ,وساهم كل ذلك في تغيير الخارطة السياسية في الجزيرة العربية ما مهد الطريق لتوسع الدولة الإسلامية.
فتح مكة.
بعده سنوات جاء فتح مكة الحدث التاريخي العظيم الذي ارسى الدعائم الحقيقية لدولة الإسلام وعزز اركانها وأعاد رسم الخارطة السياسية والإجتماعية والإقتصادية والعسكرية في المنطقة ببروز قوة ناشئة أستطاعت أن تثبت وجودها بهذه الأحداث التاريخية التي لا نزال الى اليوم نحتفل بها باعتبارها من الاحداث المهمة في تاريخ دولة تكوين الاسلام وفي مسيرة ديننا الاسلامي التاريخية.
لم يكن فتح مكة الذي وقع في (العشرين من رمضان للسنة الثامنة للهجرة الموافق 11 يناير 630م) مجرد إجتياحاً في عملية عسكرية لها أبعادها الاستراتيجية بل كان حدثاً بالغ الأهمية في تاريخ الإسلام على النواحي السياسية والدينية والاجتماعية وعلى مسيرة تأسيس وعالمية دولة الإسلام.
جاءت عملية فتح مكة بلا قتال يذكر ووسط أجواء تميزت بارتفاع الروح المعنوية لقوات المسلمين التي تدفقت نحن مكة من عدة محاور بعد أن آثرت قوات المشركين عدم إعتراض قوات المسلمين وكان للتسامح والسلام الذي رافق العملية دافعاً مهما لدخول العديد من القبائل في دين الإسلام وأضاف قوة كبيرة للدعوة إلى دين التوحيد أعظم في تأثيرها من القوة العسكرية.
مكة بالنسبة للمسلمين ليست مجرد إسم لبلد بل أنها تعد رمزاً دينياً عريقا باعتبارها محجا ولوجود بيت الله الحرام فيها وهي مسقط رأس النبي محمد عليه الصلاة والسلام وفتحها كان يعني استعادة مكانتها المقدسة وإزالة الهيمنة القريشية عليها وكل ذلك يمثل انتصارًا هائلاً لإنهاء حالة السيطرة القرشية على الحج ووضع حدًا للصراعات القبلية المتكررة في شبه الجزيرة العربية وخلق بيئة آمنة لانتشار الإسلام.
أحد أهم أسباب فتح مكة كان نقض قريش لصلح الحديبية الذي ابرم في السنة السادسة من الهجرة وهو صلح نظم العلاقة بين المسلمين والمشركين لمدة عشر سنوات، وكان من بنوده المهمة أنه “من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخله، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخله” فدخلت قبيلة “خزاعة” في تحالف مع المسلمين، ودخلت قبيلة “بكر” في تحالف مع قريش.
وقد أدت التطورات والأحداث التي أعقبت صلح الحديبية إلى تغير في ميزان القوى بين المسلمين وقريش لصالح المسلمين؛ لأن المعاهدات التي تعقد في ظل اختلال موازين القوى لا بد أن تتغير عندما تتغير هذه الموازين، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم -تقديرا منه لعهده وميثاقه- حافظ على ما ورد في صلح الحديبية، عالما ومدركا أنه لا بد من وقوع حادثة من جانب قريش تعصف بالصلح، وتجعل المسلمين في حل من التزاماته. وصدقت الرؤية النبوية، حيث إن قبيلةَ قريشٍ انتهكت الهدنةَ التي كانت بينها وبين المسلمين، وذلك بإعانتها لحلفائها من بني الديل بن بكرٍ بن عبد مناةٍ بن كنانة في الإغارة على قبيلة خزاعة، الذين هم حلفاءُ المسلمين، فنقضت بذلك عهدَها مع المسلمين المتفق عليه بينهم في صلح الحديبية.
وردّاً على ذلك، تحرك الرسول صلى الله عليه وسلم بالمسلمين في شهر رمضان الكريم متجهاً إلى مكة فاتحاً بعد أن أخرجوه منها متخفيا يخشى القتل من قبل ثمان سنوات كاملة، وكان تعداد المسلمين في ذلك الفتح العظيم عشرة آلاف مقاتل، وفى الطريق إلى مكة قابل النبي صلى الله عليه وسلم عمه العباس مهاجراً وكان قد أسلم منذ زمن طويل وكان عينا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، وكان بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم مراسلات، وقيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من أرسل له ليخرج.
وعندما اقترب الجيش الإسلامي من مكة المكرمة وحلَّ الظلام أمر النبي صلى الله عليه سلم أن يشعل كل جندي في الجيش نارا فكان منظراً رهيباً أدخل عشرة آلاف شعلة من النار، أدخل الرعب قلوب مشركي قريش، وخرج أبو سفيان مع نفر من صحبه ليعرفوا الخبر فقابلهم العباس وأخبرهم بالأمر وأخذ معه أبا سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لمقابلته وقال له: (من دخل دار أبى سفيان فهو آمن)، ثم أمر بحبسه ليمر عليه الجيش الإسلامي بكل فرقه، فاستشعر أبو سفيان عظم أمر الإسلام ومدى قوته،
صباح اليوم التالي دخل جيش المسلمين سلماً بدون قتال، إلا ما كان من محور القائد خالد بن الوليد رضي الله عنه، الذي حاول بعض رجال قريش بقيادة عكرمة بن أبي جهل التصديَ له فقاتلهم خالدٌ وقتَل منهم اثني عشر رجلاً، وفر الباقون منهم، وقُتل من المسلمين رجلان اثنان.
دخل النبي القائد مكة وهو يقرأ سورة الفتح مهللاً ومكبراً فاتحاً منتصراً عزيزاً دائماً أبداً، ومن حوله المهاجرين الذين طردوا بالأمس من ديارهم وأهليهم، وحوله الأنصار الذي استقبلوه خير استقبال فكانوا نعم الأصحاب هم وإخوانهم المهاجرين، وأذن لبلال بن رباح أن يصعد على البيت الحرام معلناً انتصار الحق وهزيمة الباطل مكبرا وأذن وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
وشرع القائد صلى الله عليه وسلم في بسط إجراءات السيطرة على مقاليد الأمور في مكة فمنح الأمان لمعظم سكان مكة، وأعلن العفو العام وأرسل بلال بن رباح إلى عثمان بن طلحة في بيته ليأخذ منه مفاتيح الكعبة ويضعها بين يديه لتأكيد أن سلطة إدارة البيت الحرام قد آلت فعلًا إلى المسلمين، وأنَّ عهد حكم النبي محمد بن عبد الله ليس صار متنفدًا راسخا.
بإنتهاء عمليه فتح مكة دخلت مكةُ تحت نفوذ المسلمين، وزالت دولة قريش منها، وتحققت أمنية الرسولِ محمد بدخول قريش في الإسلام، وبرزت الدولة الإسلامية كقوةً مؤثرة ونقطة تحول ثقافية ودينية وسياسي في الجزيرة العربية لا يستطيع أي تجمع قبلي الوقوف في وجهها حيث فتح المجال لتوسيعها وتوحيدها، مع تزايد قوتها الذي خلق بيئة آمنة لانتشار الإسلام ومهدت الطريق لانتشار الإسلام في العالم.
كان من أهم نتائج فتح مكة اعتناقُ كثيرٍ من أهلها دين الإسلام، مع توحيد القبائل تحت راية إسلامية واحدة، وإختفاء الصراعات المسلحة، وساد الاستقرار , كما تحولت مكة إلى مركز تجاري هام ما ساهم في ازدهار الاقتصاد الإسلامي وتسهيل حركة التجارة وفتح المجال لتوسيعها بين شبه الجزيرة العربية والبلاد المجاورة لها.