طرأت على المشهد الأمني خلال مراحله الأخيرة جملة من النقلات الجنائية التي وصفت الحالة بأنها آخذة في التدهور الأمني بالإنحدار نحو مستجدات سلبية غير مسبوقة يمكن أدراك أولها ولا يمكن متابعة تطوراتها الاحقة .
ويقع موضوع (الجرائم المستجدة) ضمن مشمولات هذه التطورات التي أقرتها حالة التغير التي صارت تعيشها المجتمعات الحديثة.ورغم عدم وضوح الرؤيا وضبابية الموقف بشأن أمكانية وضع تعريف محدد لهذا النوع من الجرائم فإن العناصر الأولية اللازمة لوضعه يمكنها أن تستوعب إيجاد ملامح رؤيا مناسبة لصياغة متكاملة تقود إلي إبراز عناصرها. وتخلص إلى القول: بأنها (أفعال غير مشروعة وغير مألوفة تمثل انعكاساً للمتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتكنولوجية المعاصرة وتشيع أخطاراً تلحق أضرارا بالأفراد والمؤسسات المختلفة أو البيئة المحيطة تستوجب تدخل المجتمع بآليات عدة لمواجهتها) وهي الرؤيا التي توافقت عليها وطرحتها الدول العربية ... ويمكننا استخلاص مجموعة من المكونات الأساسية التي تميز الجرائم المستجدة عما عداها من الجرائم التقليدية وتتمثل في الآتي:
1. سلوك بشري غير سوي:
يرتبط ارتكاب الجريمة المستجدة بالإتيان بسلوك بشري منحرف عن القوانين والتشريعات والأعراف السائدة في المجتمع الذي يكون مستعداً أو متوقعاً لمواجهتها وهذا السلوك الذي لا يصدر عن إنسان سوي ويعّد عنصراً مهماً وأساسيا حتى ينسحب هذا الوصف على هذا النوع من الإجرام.
2. سلوك غير مألوف مستجد ومبتكر:
يُشكّل الدهاء والمكر السمة البارزة في مثل هذا النوع من الإجرام الجديد والمبتكر والغير مسبوق الذي يعكس قدرة الخارجين عن المجتمع على الإتيان بسلوكيات مخادعة وغير معتادة في المعاملات وبطريقة وأساليب جديدة قد تمكنهم من الملاحقة الجنائية والفضائية.
3.الإرتباط العضوي بالمتغيرات المعاصرة:
تستثمر الجريمة المستجدة ما تفرزه التقنيات الحديثة من استخدامات تكنولوجية تعين مرتكبيها على اقتراف جرائمهم الضارة بالمال والنفس والعرض بأسلوب مختلف يعتمد تقنيات العصر وتطوراته ومستجداته .
4.الإضرار بالفرد والمجتمع:
الهدف الأساس من ارتكاب هذه الجرائم إلحاق الضرر والأذى بالفرد الواحد والمجتمع ككل والمؤسسات والمنظمات الإجتماعية الخاصة والعامة، وتهديد مصالحها وإشاعة مشاعر عدم الطمأنينة، والعرضة للأخطار والإحباطات التي تحيط بالمجتمع من وراء ارتكاب هذه الأفعال.
الإعلام الأمني في مواجهة الجرائم المستجدة:
يستند الإعلام في سبيل تحقيق التوعية والتثقيف على جملة من المكّونات الضرورية لإطلاق رسالته وعلى منظومة من الآليات التي تعينه على تحقيق هذا الهدف الذي يقع ضمن أهم مشمولاته للاستفادة من التقدم التقني الهائل في نظم الاتصالات والمعلومات، وما أوجده من تقارب أصبح معه العالم قرية كونية صغيرة تعاظمت فيها مضامين الرسالة الإعلامية وأصبحت جديرة بالاهتمام والاستثمار في مواجهة حالة الاتساع المفزع لصور الإجرام المستجد، وتشعب مجالاته وأشكاله ولعل مجال الإعلام الأمني يشكل المكون النوعي المتخصص، الذي تقع عليه مهمة التصدي والمواجهة لهذا النوع من الإجرام الجديد الذي يهدد البنية التحتية الأولية لمكتسبات المجتمع الذي يسعى قدر جهده إلى حماية مرتكزات التنمية المستدامة وصيانة المؤسسات العامة والخاصة من مظاهر العبث والتخريب ويعتبر موضوع الاهتمام بتنمية المقدرات الأمنية لمواجهة المتغيّرات المؤثرة على قضايا الأمن الوطني بفعل منظومة السلوكيات والتصرفات البشرية التي تتأثر بثقافات وسائل الاتصال التقليدي والمستجدات حتى يمكنها التأثير السلوكي سلباً وإيجاباً، بما يعكس أثره على القيّم السائدة والنظم والتشريعات المعتمدة وفي حالتنا التي نحن بصددها (الجريمة المستجدة) يكون الفرد كما أسلفنا والمجتمع هما الضحية المجني عليها في هذا الشأن.وإذا كنا قد أثرنا مجال الإعلام الأمني هذا النوع المتخصص من الإعلام الذي يصدر عن مؤسسة أمنية ليتناول قضايا الأمن في المجتمع بهدف تحقيق التوعية من مخاطر الإجرام فإنه يمكننا إبراز دور الأعلام الأمني في إحداث التنمية والتغلب على التحديات الاجتماعية من خلال الآتي:
- غرس مشاعر الإنتماء للوطن والولاء لقيّمه وحضارته وتاريخه ومرتكزات نهضته المعاصرة بهدف تنمية وتعزيز القدرة على التصدي لمختلف الأنشطة المضادة للمجتمع في إمكانياته المادية والمعنوية.
- ربط الصلة وتوثيق علاقات التعاون مع وسائل الإعلام العام لإحياء القيم والمثل العليا الاجتماعي منها والديني كمقدمة لتثبيت الأصالة حتى لا تتأثر بمستجدات سلوكية وافدة.
- إلقاء الضوء على مدى إسهام القيم والعادات والتقاليد الجيدة في بناء الإنسان ثقافياً وسلوكياً لبعث الطاقات الموروثة والاستفادة منها للجيل الجديد واستمرار التواصل معهم.
- التوسع في برامج الحوار الوطني الداعم للحمة الوطنية وإذكاء الحراك الشعبي نحو تحقيق الوفاق الأهلي والسلم الاجتماعي بين مختلف الأطياف والجهات التي تتقاسم الشراكة في الوطن الواحد وتدعم أواصر الوطنية فيه.
- التعريف بدور مختلف المؤسسات الأمنية الخدمية وكيفية أداء أعمالها تجاه المواطن المستفيد مما تقدمه.
- تنشيط الوعي نحو المحافظة على الأخلاق العامة واحترام القوانين والتشريعات والآداب العامة والجيرة وأساليب التعامل وغيرها.
- إبراز دور المؤسسات الأمنية في حماية الأمن الوطني من خلال رجال الجيش العاملين في النقاط الحدودية والدوريات الصحراوية والجوية والبحرية ورجال الشرطة عبر كل المواقع وما يواجهونه من صعوبات يتطلب الأمر دعم سبل التغلب عليها، والدفع بها خطوات متقدمة لحماية المواطن وسلامة تراب الوطن.
- توضيح الحقائق بشفافية وإتباع سياسة كشف المعلومات للجمهور أثناء الأزمات، مع متابعة المستجدات بكل موضوعية وطرحها بمهنية وحرفية لجمهور المتلقين دون تكتم ومبالغة.
هذه ليست وظائف حصرية ومحددة لوسائل الإعلام الأمني لكنها مؤشرات لملامح وظيفية عامة له يمكن إثرائها بالمزيد من الأدوار التي تفرزها التجربة العملية .