إستراتيجية فاعلة للحروب دخلت ضمن المصطلحات العسكرية الحديثة وهي تتجه لتكون أسلوباً ثورياً في المفاهيم المعتادة للحرب، مع أنها عملياً تعتبر قديمة متجددة، إلا أنها تعد نوعاً متميزاً من القتال الذي يعجز فيه الجيش النظامي عن الإطاحة بعدو يعتقد أنه غير محترف ويخوض حرباً غير نظامية، بأفكار مبتكرة هي خليط من مفهوم الحرب الشعبية أو الحرب الثورية وأسلوب حرب العصابات
تعد وسائل هذه الحرب حديثة تتمتع بتكنولوجيا فائقة لا تخضع لشكل معين أو قواعد ثابتة بداية من القيادة وانتهاء بالعمليات الجارية خلالها.ن هدف هذه الحرب الهجينة هو تحطيم قوة العدو وشل قدراته، وإنزال أكبر الخسائر في قواته، وهي بذلك تخالف تماماً القواعد والأسس المتعارف عليها في الحروب سابقاً، لأنها لا تسير وفق نهج ومبادئ القتال الرئيسية التقليدية التي تشكل الأساس الفكري لأغلب جيوش العالم، بل تعدت ذلك لتصبح شكلاً ونمطاً مغايراً للصراع الذي لم يعد فيه القتال حكراً على الجيوش النظامية وعلى مهارات العسكريين المحترفين لتكون هذه الحرب الهجينة خليطا من وحشية النزاع النظامي الذي تخوضه الدول مع أصولية الحرب غير النظامية ونفَسها الطويل التي تعتمدها القوات غير النظامية.
لا شك أنه في الحروب التقليدية تواجه الجيوش بعضها بعضا بقوات نظامية تعتمد في قوتها على التدريب والكفاءة القتالية العالية والمعدات المتفوقة التي توفر لها قوة نارية عالية، وعادة ما يكون سيناريو الحرب متكرراً بدايةً من عمليات القتال والقصف الجوي إلى الشروع في تنفيذ ضربات التمهيد المدفعي والصاروخي إلى المجابهة الفعلية بوحدات المشاة المدربة والمؤلفة من أعداد وتشكيلات تدعمها نظم تسليح محددة في خطوط وجبهات واضحة تساندها خطوط إمداد ودعم لوجستي كخلفية تواجه بها مثيلاتها من قوات الخصم.
إن هذا الأسلوب القتالي وإن كانت له مميزاته في الدفاع والتمسك بالأرض يعتمد في نجاحه أو فشله على خطط العمليات وعلى الرؤية الخاصة بالقادة العسكريين لمختلف مراحل الحرب، إلا أن سلبياته تظهر عندما تتعرض دول ضعيفة ومتوسطة لغزو من تحالف قوى عسكرية عظمى حيث تكون فرص الانتصار أو الصمود مستحيلة، بسبب تمتع هذه الأخيرة بكثافة وقوة ودقة نيران وتفوق نوعي للمعدات مما يجعل الوحدات العسكرية في الجبهة وخطوط الإمداد ومراكز القيادة والسيطرة أهدافاً سهلة للقصف الجوي والصاروخي، ثم تنتقل بعدها لمرحلة القتال البري واجتياح الأرض والقضاء على بؤر المقاومة فيها وتدميرها ومن ثم احتلالها وتأمينها في ظل عدم وجود خطورة حقيقية لهجمات مضادة من وحدات عسكرية معادية.
في الحرب الهجينة تواجه خصماً عنيداً في تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية غير نظامية تتنادى لتطور المواجهة لمقاومة غزو أجنبي دون تدريب رسمي، حيث تبرز في هذه المواجهة قوة المشاركة المباشرة للسكان في حالة القتال دفاعاً عن النفس والأرض، أو قد تنزلق نحو حرب أهلية يخوض فيها المقاتلين قتالاً شرساً تحكمهم توجهاتهم الفكرية والجهوية، وفي هذا الصدد يكون الدخول في حرب غير تقليدية من أجل تقويض سلطة للعدو وإضعاف إرادته هو السبيل للمقاومة وهنا تفشل كل خطط الحرب التقليدية لتدخل حسابات جديدة في المعادلة حيث يختلف الأسلوب القتالي في إدارة الحرب عن قبل وبذلك تتغير النتائج وتظهر مع الوقت صعوبة المواجهة مع خصم يظهر ويختفي ويضرب متى شاء وكيفما شاء بكل اقتدار ونجاح. في دراسة بحثية أُنجزت بطلب من الجيش الأميركي لدراسة أساليب الحروب الأخيرة في عدد من المناطق الساخنة في العالم بين الجيوش النظامية والقوى المسلحة غير النظامية أو شبه النظامية وانعكاساتها المباشرة على طرق التدريب وسياسة نشر القوات وتنظيمها وشراء وتطوير الأسلحة وغيرها من الجوانب المتعلقة بالتخطيط العسكري لتقييم نتائجها وإمكانية التحول لاتخاذها إستراتيجية مباشرة لمواجهة النقاط الساخنة عالمياً، جاءت نتيجة الدراسة مؤكدة أن بإمكان الخصم الهجين الذي يقاتل وفق أسلوب الحرب الهجينة يشكّل تحديات مهمة أمام الدول التي تركّز قواتها البرية على تقنيات القتال النظامي وبالتالي يجب مراعاة ذلك مستقبلاً وعدم التورط في عمليات اجتياح برية لأن عواقبها ستكون وخيمة على الجهة التي ستبادر بها.
وقد ثبت من خلال نماذج الحروب التي صنفت على أساس أن القتال فيها أعتبر حرباً هجينة أن المقاتلين فيها يستخدمون النموذج العصري لحرب العصابات لمقاومة الخصم حيث يتبعون نمط عمليات متعدد بشكل لم تعد الجيوش النظامية قادرة على التمييز فيما إذا كانت تخوض حرب تقليدية أو غير تقليدية، ويسخرون أيضاً وسائل الاتصالات الإلكترونية الحديثة لحشد الدعم المعنوي والشعبي والرأي العام الدولي، وبناءاً على ذلك قسم الخبراء العسكريين كفاءات الخصوم العسكرية إلى ثلاثة مستويات كل واحد منها يفرض على القوات العسكرية التي تواجهه متطلبات عسكرية مختلفة والمستويات الثلاثة هي كالتالي:
- القوى غير النظامية غير الحكومية وهذه غالباً ما تكون منظمة غير مدربة بما فيه الكفاية وغير منضبطة وهي أقرب إلى الخلية المسلحة تسليحاً خفيفاً وتعتمد في قيادتها على وسائل الاتصالات المنتشرة محلياً وقد تستخدم وسائل بدائية حسب الحاجة.
- القوى الهجينة المدعومة حكومياً وهي قوات منظمة مدربة على نحو متوسط ومنضبطة أما أسلحتها فتشبه تسليح القوى غير النظامية غير الحكومية أضف إلي ذلك تمتعها بقدرة المواجهة المباشرة.
- الجيوش النظامية الكبيرة المدربة والمنظمة وهذه عادة ما تعتمد التخصص والاحتراف في قواتها العسكرية،وهي مسلحة تسليحا جيدا ومتطوراً وهذه تتحرك وفق خطط وعمليات وقيادة محكمة .
لكن في مجمل التصور توضح أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال مقاومة أساليب الحرب الهجينة التي تتصف بالثورية والتي تعتمد كثيرا على معرفة الأرض والاستفادة منها في العمليات الحربية.
بعض الصراعات التي تدخل ضمن نطاق الحروب الهجينة:
اعتبرت الحروب الآتية والتي دارت رحاها في مناطق عديدة من العالم حروباً هجينة لم تستطع خلالها الجيوش النظامية مقارعة خصمها على الرغم من الاختلاف الكبير في التنظيم والتسليح وكان السبب في ذلك هو انتهاج الخصم إستراتيجية الحرب الهجينة في أساليب القتال وكرست بذلك مفهومها كخيار فاعل في المواجهات جعل الكثير من جيوش العالم تعيد تنظيم وحداتها وتسليحها بما يوافق هذه الإستراتيجية ومن تلك الحروب:
الحرب الأفغانية، الحرب الصومالية، الحرب اللبنانية، الحرب السودانية، الحرب الفلسطينية، الحرب الليبية، وغيرها كثير من الحروب التي واجهت فيها قوات غير نظامية جيوشاً نظامية مدربة على الطريقة الحديثة.
وسائل وأساليب الحرب الهجينة :
تعتبر الأسلحة المضادة للطيران بكافة أنواعها من صواريخ ورشاشات متوسطة وثقيلة ومضادات المدرعات والصواريخ الموجهة والصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى والأسلحة المناسبة لمعادلة ميزة التفوق الجوي ودقة التصويب التي تتمتع بها الدول التي تتميز بخاصية التدخل المباشر لحسم الحروب من أهم وسائل الحرب الهجينة، وكذلك تعتبر معرفة طبيعة الأرض التي تجري عليها العمليات ومسالكها ودروبها من أهم الوسائل أيضاً، باعتبار أن ذلك يمثل الأساس في عمليات الحرب الهجينة إلى جانب ووسائل المخابرة والاتصالات الحديثة.
وتعتمد أساليب القوات غير النظامية غالباً على حرب العصابات وعمليات حرب المدن وإعداد الكمائن واستهداف مواقع إستراتيجية مؤثرة وهذا يستدعي تجنب التورط بالدخول في معارك ومجابهات على نطاق واسع والتركيز على الاشتباكات الصغيرة وعمليات التمويه والكر والفر واستخدام وسائل قد تكون بدائية مع وسائل أكثر تطورا حسب الحاجة مع تطور طبيعة الصراع لتأخذ أشكالاً أكثر تعقيدا تلبية للتطور الحاصل في الوسائل التكنولوجية والمعلوماتية التي أوجدت مجالات جديدة للمواجهة لتحقيق أهدافها.
يندمج في الحرب الهجينة أنماط القتال المعروفة المختلفة بما في ذلك القدرات التقليدية وأساليب القتال المستحدثة والتكتيكات والأعمال الفدائية للاستفادة من كل أشكال القتال المشروعة لاستنزاف وإرهاق الخصم لإرغامه علي الانسحاب من أراض محتلة أو التخلي عن سياسة خارجية معينة.
ميزات القتال بأسلوب وإستراتيجية الحرب الهجينة:
يري خبراء عسكريون أن حروب المستقبل ستكون خليطاً من الحروب التقليدية والمناوشات والمعارك الصغيرة، وشن الحملات العسكرية
السريعة والخاطفة، وبناء على ذلك فإن العديد من الدول أصبحت تخطط للتحول للحروب الهجينة بهدف طمأنة مواطنيها على قدرة جيشهم ودفاعاتهم على التصدي للتهديدات الأمنية، ومواكبة للتطورات العالمية الحاصلة في القدرات القتالية للجيوش، والتي باتت متغيرة ومتنوعة كل حين وآخر، بما في ذلك الهجمات علي شبكات الكمبيوتر وأنظمة تحديد المواقع العالمية بواسطة الأقمار الاصطناعية، وأنظمة توجيه الصواريخ دقيقة التوجيه إضافة إلي تنظيم حملات الحرب الإعلامية والنفسية عبر وسائل الإعلام والإنترنت وما لذلك من تبعات وانعكاسات كثيرة علي التدريب ونشر القوات وشراء وتطوير الأسلحة وغيرها من الجوانب ذات الصلة بالتخطيط العسكري.
تعتبر عمليات الحرب الهجينة مزاوجة بين مفهوم العمليات السائدة في لحروب النظامية للجيوش التقليدية وبين مفهوم الحرب الشعبية وحرب العصابات أو بمعنى أكثر وضوحاً يمكن القول إنها تطعيم للجيوش النظامية بمناهج وأساليب مختلفة لكسر مفاهيم التفوق التقليدي، وهناك عدة ميزات لأسلوب الحرب الهجينة يجعلها من أكبر الخيارات المطروحة أمام الدول لتحويل جيوشها التقليدية للقتال وفقاً لإستراتيجيتها المثيرة وهي:
- المرونة العالية في القتال ويقصد بها السرعة في الانتشار والمواجهة وتغيير الخطط حسب الحاجة وحسب تطورات القتال في الميدان وكذلك تكيف القيادة مع نوعية العمليات وطرق العدو القتالية واتخاذ تدابير وقائية فورية بدون اللجوء للتسلسل العملياتي في القيادة.
- تجنب الصدام المباشر مع العدو لحرمانه من استخدام قوته النارية المتفوقة واختيار الأماكن والأوقات المناسبة لمواجهة العدو ومهاجمته في أسوء حالاته إلى جانب الاستفادة من طبيعة الأرض في كل الحالات.
- اعتماد مفهوم ساحة الحرب المفتوحة دون الاعتماد على خطوط ثابتة وخنادق وتحصينات ضخمة ومراكز تحشد خلفية.
- استثمار النجاح الحاصل من عمليات الإغارة والضربات المفاجئة واستغلال نقاط ضعف العدو لصالح المجهود الرئيسي نحو الهدف المحدد.
- الاستثمار القليل في أفراد ومعدات غير مكلفة نسبيا يمكن أن يعرقل ويوقف قوات تقليدية اكبر عددا وأكثر تسليحا وتطوراً.
- الاعتماد على القدرات الذاتية المحلية ومن ذلك تخزين الذخائر ومواد الإعاشة للقوات في أماكن متفرقة لتفادي الوقوع في فخ صعوبة الإمداد اللوجستي.
- العمل بمبدأ الانتشار الواسع والمبكر للوحدات كأسلوب أمثل للدفاع السلبي ومقاومة الاستطلاع وتجنب الضربات الجوية المركزة مع القدرة على اتخاذ التشكيل المناسب للتعامل مع العدو عند وصوله إلى مناطق عمل تلك الوحدات.
- اعتماد مفهوم النوعية بالنسبة للسلاح الثقيل بدلا من الكمية وعدم إقحامه في تشكيلات كبرى ثقيلة الحركة تكون عبئاً عند المواجهات الحاسمة والاستعاضة عنه بوحدات سريعة مضادة للمدرعات لصد مدرعات العدو وإنزال أكبر الخسائر بها.
- التوسع في استخدام المنظومات الصاروخية خاصة وأن لها عدة مميزات تعبوية منها الدقة وكثافة النيران والقوة التدميرية تجعلها أسلحة مناسبة وفاعلة ضمن أسلوب القتال الهجين.
- إعداد القوات المسلحة والبنية التحتية للدولة للصمود أمام التفوق الجوي المعادي وذلك عن طريق إيجاد مراكز قيادة وتحكم بديلة ومتنقلة ومحصنة جيداً وكذلك تخصيص مواقع انتقالية لمراكز التحكم والسيطرة لضمان استمرارية القيادة للقوات في أصعب الظروف والعمل على توفير وسائل بديلة للأماكن التي تقدم خدمات لوجستية مباشرة وتعتبر أهدافاً حيوية يطالها القصف الجوي وذلك لتقليص الضرر الناتج من فعالية القصف الجوي ضدها واستمرار العمليات في الظروف الصعبة.