بمناسبة ذكرى الإنتصار في الحرب العالمية الثانية أقيم صباح اليوم وفي ساحة تيانانمن، قلب الصين الرمزي، اصطف عشرات الآلاف من الجنود الصينيين في عرض عسكري وُصف بأنه الأكبر في تاريخ البلاد الحديث، أظهرت فيه بكين كل منظوماتها العسكرية
القتالية الحديثة موجهة رسالة استثنائية إلى العالم بمناسبة الذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية وانتصارها على اليابان.
حضر العرض العسكري الضخم وفود سياسة على أعلى مستوى جمعت 26 زعيما حول العالم، وجمع لأول مرة 3 زعماء يعتبرون خصوما لدودين لأمريكا، هم الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الروسي بوتين و زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون.
الاستعراض لم يكن عسكريًّا فقط، بل حمل طابعًا مسرحيًّا دبلوماسيًّا. فقد حرصت القيادة الصينية على استقطاب حضور أجنبي واسع، أرادت من خلاله تأكيد مكانتها في قيادة الجنوب العالمي، وأنها لم تعد مجرد خصم معزول للغرب كان الحضور بمثابة تصويت بالثقة في الدور الصيني، أما الغياب فحمل دلالات لا تقل أهمية.
خطاب الرئيس الصيني شي جين بينغ أمام أكثر من 50 ألف متفرج فقد أراد شي أن يُعدّل سردية تاريخية ظلّت لعقود تحت هيمنة الرواية الغربية التي منحت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي الحصة الكبرى من الفضل في هزيمة النازية واليابان، وهمّشت دور الصين. ومن خلال كلمته، أكد أن الصين كانت لاعبًا محوريًّا في هزيمة اليابان وشريكًا مؤسسًا للنظام الدولي. اتسم خطابه اتجاه طوكيو بالحذر، محمّلًا اليابان مسؤوليتها التاريخية دون الانزلاق إلى خطاب تصعيدي، داعيًا بدل ذلك إلى بناء "مجتمع آسيا المحيط الهادي بمصير مشترك". والأهم أنه ربط بين ماضي الصين بوصفها أمة ضحية، وحاضرها بوصفها قوة صاعدة، ومستقبلها بوصفها مهندسا طامحا لإعادة تشكيل النظام الدولي.
حمل العرض رسالة مركبة تمزج بين القوة العسكرية والتموضع الدبلوماسي وإعادة كتابة السرد التاريخي للأحداث المصيرية، بحيث تُوجَّه إشاراته، إلى الداخل الذي يبحث عن الثقة والفخر، وإلى الخارج الذي يتابع باهتمام رسائل الردع القادمة من بكين.
العرض العسكري المهيب جسّد رؤية بكين لعقيدة قتالية تسعى من خلالها إلى دمج القدرات الهجومية والدفاعية في شبكة واحدة، تمنع الخصم من الاقتراب وتتيح الاستهداف الدقيق عبر مسافات شاسعة، وتحرم العدو من أي تفوق ميداني. فكل قطعة سلاح لا تُقدَّم كمنظومة منفردة، بل كخيط ضمن نسيج شبكة قيادة وتحكم موحّدة، تُرسم من خلالها صورة كاملة للمعركة قبل أن تبدأ.