توافق اليوم الذكرى الخامسة والثمانين لاستشهاد أسد الصحراء شيخ الشهداء عمر المختار البطل الرمز الذي قاوم الإستعمار الإيطالي ببسالة وشجاعة شهد له بها العدو قبل الصديق ردد شيخ الشهداء الشهادتين وهو على منصة المشنقة قبل تنفيذ حكم الإعدام فيه بكل رباطة جأش قائلا بازدراء ومن دون مبالاة للجنود الطليان المحيطون به : "هكذا أنتم أيها التعساء، ليس لديكم على الأقل رصاصتين تقتلونى بهما"
هذا هو نص العبارة التى رواها ليفى سجان المختار في سوسة والذى يعتبر شاهد عيان على الحرب الليبية الإيطالية التي حارب المختار فيها الإيطاليين وهو يبلغ من العمر 53 عاماً لأكثر من عشرين عاما في معارك عديدة قادها وخطط لها وشارك فيها واستشهد باعدامه شنقاً في سلوق بعد محاكمة صورية جرت في بنغازي وتوفي عن عمر يناهز 73 عاما وقد صرح أحد القادة الإيطاليين "أن المعارك التي حصلت بين جيوشه وبين السيد عمر المختار 263 معركة، في مدة لا تتجاوز 20 شهرا فقط".
ولد عمر المختار يوم 20 أغسطس عام 1861م في قرية جنزور الشرقية منطقة بنر الأشهب شرق طبرق في بادية البطنان في الجهات الشرقية من برقة شرقي ليبيا وتربى يتيما وكفله حسين الغرياني عم الشارف الغرياني حيث وافت المنية والده المختار بن عمر وهو في طريقه إلى مكة المكرمة بصحبه زوجته عائشة.
تلقى تعليمه الأول في زاوية جنزور على يد امام الزاوية الشيخ عبد القادر بوديه العكرمي أحد مشايخ الحركة السنوسية، ثم سافر إلى الجغبوب ليمكث فيها ثمانية أعوام للدراسة على علماء السنوسية في مقدمتهم الإمام محمد المهدي السنوسي قطب الحركة السنوسية، فدرس علوم اللغة العربية والعلوم الشرعية وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، ولكنه لم يكمل تعليمه كما تمنى.
يمتاز عمر المختار بذكاء متوقد حاضر البديهية، كما أنه مثقف واسع الإطلاع خاصة فى الأمور الدينية ويرجع ذلك إلى تعليمه الدينى، وكان تقياً ورعاًعاش فقيراً طيلة أيام حياته، فى التخطيط والتنظيم للهجمات الشرسة التى كان يقودها ضد جنود الحاميات العسكرية الإيطالية. فقد كان دائما يحرص على قيادة المجاهدين بنفسه وأحايناً يكتفى بإدارة المعارك من بعيد. وبأتباعه أسلوب القيادة المعارك بنفسه كان يزيد من جذوة ارتفاع الروح المعنوية القتالية بين أتباعه
عاش عمر المختار حرب التحرير والجهاد منذ بدايتها يوماً بيوم وكان من أنشط المبشرين بالجهاد ضد القوات الإيطالية، حيث كان يقوم بتحريض القبائل العربية وتدريب رجالها على السلاح، بالإضافة إلى أنه كان قد رفض عقد أية اتفاقيات من شأنها الخضوع للحكومة الإيطالية، ويورد غراتسيانى ذلك فى مذكراته بقوله: لقد كان عمر المختار يقوم بتحريض سكان الجبل بالتحرش ضدنا بل ومهاجمة الحاميات العسكرية الإيطالية وقطع جميع الطرق فى وجه قوافل التموين التى كانت تزود مراكز الحاميات العسكرية .
استطاع عمر المختار قيادة المجاهدين لمدة 15 عاماً بحنكة ومهارة عسكرية فائقة دوخ فيها القوات الإيطالية التى كانت تعتبر من القوات المجهزة بأحدث الآليات العسكرية الراقية فى ذلك الوقت، حيث جعل قادتها العسكر يشعرون بالخيبة والفشل بعد كل معركة يخوضها ضدهم، وقد تم القبض على عمر المختار يوم 11/9/1931 وفى يوم 16/9/1031 بسلوق جرى حكم الإعدام الصادر ضده شنقاً حتى الموت. وقد اعتبر المختار أحد شهداء الحرية ذلك لأنه استطاع أن يقدم أسلوباً جاداًليس فقط لليبيين بل إلى جميع المضطهدين فى العالم الذين كانوا يقاومون شتى أواع الاستعمار من أجل نيل الحرية لشعوبهم المقهورة.
يقول "ليفى" سجان الشهيد فى سرد حكاياته عن الساعات الأخيرة فى حياة البطل عمر المختار حيث يصف شخصية البطل المسلم المؤمن بالقضاء والقدر بقوله: " وفى الحقيقة كان عمر رجلاً يصلى لله من انبلاج الصبح إلى غروب الشمس مع نهاية كل يوم، رجلاً يصلى لله ليلاً بدلاً من أن يتمشى، رجل يصلى لله من أجل أسرته وماشيته ثم الطريق الذى سوف يسلكه، رجلاً يصلى لله من أجل حماية حياة المسلمين جميعاً ومن أجل مواصلة الكفاح العادل المقدس الذى أمر به الله سبحانه وتعالى، الله أكبر، الله أكبر، ألقى عمر المختار نظرة إلى الخارج، إن بزوغ الصبح لقريب هكذا قال وهو يتململ فى مكانه ثم أضاف قائلاً:" إن بزوغ النهار يكون طرياً منعشاً مثل صوت شابة تغنى على البئر، ثم يكون توالى النهار فيما بعد باعثاً على السأم والملل مثل سير خطوات الجمل البطيئة، أو حارق مثل حدوة الحصان الذى يركض مسرعاً وأخيراً المساء وهو مثل لون الرماد، إن الحياة مثل تعاقب النهار، شعارها فعل وإرادة يكونان معاً شيئاً مهما فى حياة الإنسان، ثم يتدخل القدر فيما بعد ليدل على مصير حياة الإنسان".
ومن كلماته الأخيرة " نحن لن نستسلم ننتصر أو نموت" شعارا لا يتساه الليبيين أبداً وقول مأثور عن رمز من رموزهم التاريخية الوطنية التي سيذكرها التاريخ دوماً .
لقد نلت شرف الجهاد في دنياك وخير الآخرة إن شاء الله ولا تزال ذكراك حاضرة ليست في قلوب الليبيين فحسب يل في قلوب أحرار العالم أجمع .