للتاريخ مع معارك الجهاد الليبي وقفات مجيدة نستذكر من خلالها أولئك الرجال الأفذاذ جاهدوا وناضلوا في سبيل الله والوطن , قارة عافية موقعة جهادية وقعت أحداثها فى منطقة الجفرة وتحديدًا جنوب غرب هون فى 30-31 أكتوبر 1928م وتعد من أكبر معارك
جهاد الليبيين التي امتزجت فيها دماء الليبيين في تلك البقعة الطاهرة من أرض الوطن لهدف واحد وغاية واحدة وهي الذوذ عن الوطن والفناء في سبيله بالمهج والأرواح .
في سبتمبر من عام 1928م قررت مجموعة المجاهدين المرابطة في منطقة واو الكبير توجيه ضربة لقوات المحتل الايطالي البغيض في الجفرة وذلك بعد أن أنهوا حصاد محاصيلهم هناك وبدأ الاعداد لذلك بالتوجه للجفرة وتنظيم الاتصال بالمجاهدين هناك.
- كان عدد قوات المجاهدين اكثر من 700 مجاهد من قبائل اولاد سليمان وورفلة والقذاذفة واهل ودان من الاشراف والجماعات ولماجر وقبايل وعايلات هون وغيرهم من المجاهدين الابطال بقيادة المجاهد قضوار السهولي الورفلي و المجاهد عبد الجليل سيف النصر والجدير بالذكر ان محمود بوقويطين البرعصي الذي شغل منصب قائد قوة دفاع برقة في العهد الملكي كان ضمن المشاركين في معركة عافية.
- عند وصولهم لبئر قطيفة في جبل السوداء أطلقوا النار على دورية إيطالية من الهجانة وكادوا أن يقضوا عليها فتسارعت الأخبار وإنتبهت قيادة الجيش الايطالي في هون للأمر وأرسلت تعزيزات باتجاه بئر قطيفة ولكنها لم تجد قوة المجاهدين هناك فواصلت تقدمها نحو بئر عافية حيث تمركزت قوة المجاهدين.
- عسكرت القوة الايطالية فى المنطقة بقيادة المقدم "لوجي اماتو"، وقد كان يتولى قيادة الفرقة العسكرية الايطالية المعروفة بفيلق الجفرة، والتى كان قوامها كبيراً حوالي 1078 فرداً ويتسلح افرادها ببنادق وعدد 9 رشاشات معززين ببطاريتين من مدفعية الميدان.
وفي مساء ذلك اليوم اصطدمت قوة المجاهدين مع طلائع القوة الايطالية التي تقدمت نحو بئر عافية وتوقع الايطاليون تعرضهم للهجوم هناك فاتخذوا موقع دفاعي على عجل لتأمين أنفسهم من التعرض لعمليات عسكرية مفاجئة من طرف المجاهدين.
حصل خلاف بين المجاهدين على تحديد ساعة الهجوم وكانوا لا يفضلون ان يكون يوم الاربعاء وخاصة عندما يأتي آخر يوم في الشهر تشاؤماً منهم لعاداتهم البدوية. ولذلك عارض عبد الجليل سيف النصر وآخرون في بداية الامر الهجوم صباحا اما قضوار السهولي ففضل الهجوم صباحا وان ايام الله كلها واحدة ولكنهم اتفقوا في نهاية المطاف على الهجوم.
بدأ الهجوم في ساعات الصباح الاولى قبيل الفجر وحسب الروايات قلم المجاهد احميدة الصغيرعبد اللطيف من ودان برفع الاذان عند ساعة الصفر وبداية الهجوم ....وكانت الخطة التي طبقت تقضي بأن تقسم مفارز الهجوم لعدة مجموعات لحيث يصعد المجاهد قضوار السهولي مع مجموعة من المجاهدين وكان عددهم 25 من جهة وكان ضمنهم شرفة ودان والمفرزة الاخرى فكانت بقيادة علي بن غيث سيف النصر وعددهم 25 من جهة اخرى وكان مجموع المجموعتين 50 مجاهد انتحاري بالسلاح الأبيض في مواجهة اكثر من الف جندي من الاحباش والايطاليين ومع ذلك تمكنوا من الوصول لقمة القارة في هجوم مباغت نفذه المجاهدين بكل دقة وتمكن المجاهد قضوار السهولي من اسر الكولونيل "اماتو" الضابط الايطالي وساقه امامه وهو يصرخ مستنجداً وعندها تنبه له حراساته لحقوا به مسرعين وطعنوا قظوار بالحراب فخر شهيدا وفر الضابط , كما استشهد ايضا ولحق به البطل علي بن غيث سيف النصر والمجاهد محمد على الجدى قائد المحور الغربى (الرئيسى) فى المعركة، والعديد من مجاهدى ودّان، وقبيلتى ورفلة، والقذاذفة، إلا أنهم كبدوا المحتل خسائر كبيرة وقتلوا فيها الكثير من الضباط الطليان.
بعد معركة استمرت حتى شروق الشمس شاركت قيها المدفعية الايطالية بقصف متواصل لموقع المعركة إستطاع المجاهدين إختراق الخطوط الإيطالية ما أضطرهم الى التحول الى الهجوم المضاد برغم خسائرهم الكبيرة في الارواح .
يصف الجنرال المعركة قائلاً :
"ولما كان قائد الفيلق مقتنعاً بأنه إذا ما استمر في موقفه الدفاعي البحت – نظراً لعنف العدو الهائل وتعصبه – فقد تكون نهايته الهزيمة ، لذلك قرر القيام بهجوم مضاد .
ويقول في ختام المعركة : "ولقد كانت خسائرنا في الضباط والجنود فادحة للغاية بالنسبة لعدد رجال القوات التي تم استخدمها في هذه العملية".
وبالرغم من قول جراتسياني أنهم صدروا الهجوم وأنهم انتصروا إلا أن المجاهدين بقوا في مواقعهم إلى أن دفنوا شهداءهم وتزودوا بالمياه محتلين البئر وقد انسحب الإيطاليون عائدين إلى الجفرة ولم يبرح المجاهدون الموقع إلا بعد ثلاثة أيام ، بالرغم من أن الإيطاليين استخدموا الطيران بكثافة ضد المجاهدين الذين انسحبوا صوب الجنوب وقسموا أنفسهم إلى مجموعات صغيرة خشية أضرار الطيران .
تعتبر معركة قارة عافية من المعارك التي تدخل فيها الطيران الحربي الايطالي بكثافة مما اضطر المجاهدين على الانقسام إلى مجموعات صغيرة لتفادي هجمات الطيران.
بعد أسبوعين من تاريخ معركة "قارة عافية" بمنطقة هون بين المجاهدين والعدو الإيطالي وفي محاولة منه للانتقام لخسائره التي مني بها في المعركة من قبل المجاهدين، قام الإيطاليون بإعدام 19 مواطناً من مدينة هون صباح يوم الأحد الموافق 15/11/1928 أمام أنظار عائلاتهم دون رحمة، في جريمة لم تكن أقل بشاعة من مثيلاتها في المدن الليبية الأخرى.
طبق المجاهدين الليبيين حركات عسكرية متعددة خلال المعركة كان من بينها عمليات الإغارة الناجحة التي نفذوها اولاً في بئر قطيفة ثم أعادوها مرة ثانية مع حسن إختيارهم لوقت تنفيذها الذي كان في ساعات الصباح الأولى كما نفذ المجاهدين عملية انسحاب بشكل جيد حيث قسموا قواهم إلى مجموعات صغيرة لتفادي تأثير قصف الطيران الإيطالي.
كما أنهم أبلوا بلاءاً حسناً خلال المعركة التي توجت بخسائر كبيرة في العدد للقوات الإيطالية
وثق الشاعرعثمان بن رفه الذي كان حاضراً ومشاركاً في المعركة أحداثها ومجرياتها في قصيدته قائلا:
خمسين يعركن في الوف مالرومية...نصارى وحبشهم ضاربين الداره
ولين فطسوا منهم مئات وميه... اكبار الدمى قالوا تكون معاره
وجاهم علي بن غيث زينك جيه... وقضوار والشرفه اللي نغاره
ويقول الشاعر واصفاً تلك المعركة :
وفيها سطاش واربحه يقدي قوي تياره .. . رموها على كردون توقد ناره
سطاش واربحه يقدي قوي تياره .. . رموها على كردون توقد ناره
قـوي مـشهابه رموها على كـردون باللهلابة ... لجواد ما بت عالطلب تصابه
وللياش تمت غالبه النزازه رقوا ما كـنوت ...ولا ريبوا مالخوف لا شي ضنوا
بسلاحهم حرب اللعين تعنوا .. قاصدين موش هايبين كداره
جهاد في سبيل الله بيه يغنوا ... وباردوهم طالق الا كباره
وما زال فروا بغيض يفنوا .. لين كبروا بزناد شاطت ناره
ول تابع جيفه خلوا ... وهو الكلب نايض ما عرف خباره