الثقافة ومدى حاجة الجيش للثقافة والمثقفين

إن الجيش هو الكتلة البشرية المتحركة ذات القلب النابض، والجسد الواحد والثقافة أحد مكوناته الغذائية،،قول الله عز وجل : (( اقرأ باسم ربك الذي خلق (1) خلق الإنسان من علق (2) اقرأ وربك الأكرم (3) الذي علم بالقلم (4) علم الإنسان ما لم يعلم (5) ))،

ويقول : (( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب ))، ويقول : (( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات )) . إنني لا أريد أن أتحدث في هذا الموضوع على التعليم، فلا شك أن كل منْ التحق بالخدمة العسكرية قد نال حظًّا لا بأس به من التعليم، فكان منهم الضباط، وضباط الصف وجميع الرتب العسكرية، لكنني أريد أن أتحدث عن الثقافة من حيث: تعريفها، مواضيعها، مصادرها، أهمية الثقافة في معرفة العدو، فوائد الثقافة للمثقفين، كيف تكون مثقفاً، وبماذا تكون مثقفاً، الأساليب التي يجب أن تنتهج للتشجيع بالثقافة.
تعريف الثقافة:
الثقافة هي الدم الذي يحرك الكيان الذي أضناه الجهل، ويدفع النفس إلى الانطلاق من آثار التخلف، ويسمو بها إلى التطور الخلاق.
المواضيع الثقافية:إن الثقافة نهر واسع تغذيه عدة روافد،
وهذه الروافد هي مواضيع الثقافة وهي:- الثقافة الدينية - الاجتماعية - الأدبية - التاريخية - السياسية - الاقتصادية - العلمية - العسكرية، والتي في مجموع ما يتحصل منها من معلومات- تصنع الضابط، وضابط الصف والجندي المثقف.
مصادر الثقافة:
لا يمكن حصر الثقافة في مصادر محددة بعينها، ولكن يمكن التطرق إلى أهمها وهي: القرآن الكريم، الأحاديث النبوية الشريفة، سير الأنبياء عليهم السلام، والقادة العظام من كل الأطياف، الكتب المؤلفة والمترجمة، والمجلات والندوات، والملتقيات الثقافية، مواصلة الدراسة، وعلى كل المستويات، وفي جميع التخصصات، الدورات المدنية والعسكرية الداخلية والخارجية، استقاء المعلومات من الإذاعة المرئية والمسموعة.
أهمية الثقافة في معرفة العدو، وتحديد هويته وميوله:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أوسع البشر ثقافة وعلماً لما علمه الله تعالى، ففي غزوة بدر الكبرى وقبل بدئها حدد عدد قوات المشركين بما يقارب الألف والتسعمائة مقاتلا، وذلك بعد ما عرف ما ينحرون من الإبل في اليوم ... وأما خالد بن الوليد رضي الله عنه فيقول: (( عقول الرجال على أسنة أقلامهم قبل أن تكون على أسنة رماحهم ))، وقال قائد جيش ألماني يدعى (فيلد مارشال هندنبرج) لضابطه في معرض حديثه عن العدو: (( لا أريد منكم أية معلومات عنهم فقط أروني كتبهم، ومجلاتهم أحكم على رجالهم ومعداتهم )) .
إن الثقافة والعلم هما اللذان يؤهلان للمناصب القيادية:
قبل مواجهة بني إسرائيل لجيش جالوت وجنوده طلبوا من نبي لهم أن يبعث لهم مَلِكًا _ قائداً _ ليقاتلوا في سبيل الله عز وجل، فاستجاب الله تعالى لطلب نبيهم، وبعث لهم طالوت مَلِكًا، حيث اصطفاه الله تعالى وزاده بسطة في العلم (معرفة ودراية بالحرب)، وفي الجسم - لأن من مميزات القائد - الصبر والجلد، والثبات وتحمل الأعباء، إلا أن بني إسرائيل لم يعجبهم ذلك، لأنه لم يكن ذا مال ولا جاه - يقال أنه كان سقاء أو دباغ .
يقول الله عز وجل في محكم التنزيل: ((ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله )) الآية 3.
(( وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً قالوا أنَّى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم )).
فوائد الثقافة للمثقفين:
- إن الثقافة توسع المدارك، وتوسع حصيلة المعلومات، فيكون المثقف على دراية بالأمور التي تهمه، والتي تمس محيطه، وبما في العالم من حوله.
- تنمي في المثقف الشجاعة الأدبية، وتعلمه أسلوب المناقشة والحوار والمجادلة البناءة التي تفيد ويفيد بها غيره.
- تكون غالبا الآراء منه صائبة، وذات مغزى وهدف، ولديه القدرة على استنباط الحلول الناجحة لما يعتريه من معوقات: يقول الله عز وجل : (( وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم)).
- إن الثقافة تختلف عن التعلم لوفرة معلوماتها، والمثقف بمعلوماته الواسعة يستطيع أن يقوم بالأمر ويهتدي إلى الصواب، ويتضح ذلك في محاورة إبراهيم عليه السلام لأبيه آزر، حيث جاء في قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام في سورة مريم: ( يا أبتِ إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطاً سوياً).
- تكون له الحجة في دحض الباطل وإظهار الحق وخاصة في الرد على افتراءات المشركين، والملحدين ضد الإسلام، يقول علي رضي الله عنه (تعلم ما ليس لله فسيكون لله)، أي منْ يقرأ عن الإلحاد وهو مؤمن سيبطل دعاوى الملحدين وغيرهم.
كيف تكون مثقفاً وبماذا تكون مثقفاً؟

1. كيف تكون مثقفاً؟
- عود نفسك على القراءة، ولا ترغمها إرغام.
- تصفح أي كتاب، أو مجلة، أو جريدة، واختر موضوعاً واقرأه كاملاً.
- قم بشراء أو استعارة كتاب واقرأ منه عشر صفحات على الأقل، ثم انتقل إلى غيره فإذا مللت أترك القراءة وإذا عاودك الشوق إليها ابدأ من حيث انتهيت وبهذا تكون قد قرأت أكثر من موضوع في عدة مصادر.
- داوم على قراءة القرآن الكريم فستجد فيه غايتك، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصفه: (كتاب الله تبارك وتعالى فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم، حكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، والذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تتلبس به الألسن، ولا تتشعب به الآراء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يمله الأتقياء، ولا يخلق من كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم تملك جماعة من الجن إذ سمعته إلا أن قالوا: (إنا سمعنا قرآناً عجباً)، من علم علمه سبق، ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن اعتصم به هدي إلى صراط مستقيم).
- إن وهبك الله عز وجل مّلَكَة الحفظ، فاحفظ ما تستطيع من القرآن الكريم، ومن الأحاديث النبوية ومن أقوال الصحابة، ومن الشعر الهادف.
- لا تهمل ما يكتب في مجال تخصصك وفي المجال العسكري عامة، فقد تكون مستشاراً لآمرك.
- اجتهد لتتعلم أي لغة أجنبية، وحبذا لو كانت الانجليزية لأنها تساعد على توسيع ثقافتك.
كيف تكون مثقفاً بحق؟
- لا تجادل بالباطل لإدحاض الحق، ولا تماري العلماء، فإن ذلك من سوء الطالع.
- تعمق في دراسة المواضيع، ولا تكون كالطبل الأجوف.
- استفد من آراء الآخرين، وتجاربهم العلمية، والعملية، واجعل لنفسك رأياً مستقلاً لا يتعارض مع آراء الآخرين ولكن يشاطرهم الرأي، واقتنع بالرأي الصائب، وهذا ما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- لا تجعل نفسك في قالب واحد، وذلك بدراسة منهج واحد ذي مغزى واحد، واجعل لنفسك مذكرة كمذكرة الآمر، تحتفظ فيها بالمعلومات المفيدة.
- لا تحاول أن تبرز ثقافتك، ولكن اجعل الناس هم الذين يبرزونك ويقدمونك على غيرك.
- وأخيراً تعلم بإحسان، وجادل بإحسان، يقول الله عز وجل :(إن الله يحب المحسنين)، ويقول (وجادلهم بالتي هي أحسن).
- يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما كان الإحسان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه).
الأساليب التي يمكن للمستويات العسكرية أن تتبعها لنشر الثقافة بين منتسبيها:
1- التشجيع المادي والمعنوي، والمادي أكثر لكل منْ له مساهمات ثقافية في الجيش.
2- توفير الكتب الهادفة الدينية والأدبية والعلمية في المكتبات العسكرية.
3- الاستعانة بالأساتذة والضباط والأطباء والمحاضرون الذين يثرون الثقافة المدنية والعسكرية.
4- الإكثار من البعثات في الدورات التخصصية وفي الندوات والملتقيات الخارجية والداخلية والمشاركة بالأكفاء في المناورات والمشاريع الحربية.
5- التشجيع على تعلم اللغات الأجنبية وتكريم المتفوقين لأن ذلك يساعد على البحث والترجمة وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول (من تعلم لغة قوم أمن شرهم).
وأخيراً اجعل نفسك كالنحلة التي لا تعبئ بطنها من زهرة واحدة، ولكن من كثير من الزهرات، وفي النهاية تعطي العسل الوافر من الزهر الطيب
1. مجلة الكلية العسكرية الملكية سنة 1964 ص 35.
2. مختصر تفسير بن كثير
3. سورة البقرة الآية 146
4. سورة البقرة الآية 147.
5. سورة النساء الآية 83
6. سورة مريم آية 43
7. الدين عند الله - عبد الرحيم جودة ص 36.