أما آن لهذه الحرب أن تضع أوزارها , حرب شردت ومزقت دولة عربية يقتتل أبناؤها اقتتالا داميًا خلف العديد من الضحايا والمنكوبين والمشردين نتيجة خلاف سياسي بين قادة عسكريين في الجيش السوداني وقوات الدعم السريع المتمردة والتي هي في أصلها قوات

نظامية جرى تأسيسها وتمويلها وتسليحها من قبل الدولة ولها وضعها الدستوري والقانوني إنشقت عن حاضنتها الأم وتمردت لأسباب سياسية وعرقية , ما يعني أن الجيشين المتقاتلين الآن يخوضان حربهما بموارد الدولة السودانية وقد كانوا الى وقت قريب وحدات نظامية في جيش واحد وتحت راية واحدة.

تعكس هذه الحرب تعقيدات سياسية واجتماعية وأبعادًا اقتصادية تهدد الاستقرار الداخلي وتزيد من التدخلات الإقليمية والدولية في المشهد السوداني المثقل بأعباء الحروب وتداعياتها فقد شهد تاريخها المعاصر أطول الحروب في القارة الأفريقية، وهي حرب جنوب السودان، والتي استمرت نحو نصف قرن توقفت خلالها لعقد من الزمان بعد توقيع اتفاق أديس أبابا بين حركة أنانيا 2، وحكومة جعفر نميري في عام 1972 وما لبثت أن اندلعت مرة أخرى بالجنوب عام 1983، واستمرت لأكثر من ثلاثين عاما لتتوقف في أعقاب توقيع اتفاق السلام الشامل في العام 2005 في نيفاشا بجمهورية كينيا.

لكن الحرب الدائرة هناك منذ ابريل 2023 بدت مختلفة عن سابقاتها في تاريخ حروب بالسودان، وقد ترتبت عليها نتائج على كافة المستويات سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا , فهذه الحرب أحدثت تحولًا جذريًا في كيان السودان أنعكس بشكل ملحوظ على وضعه الداخلي وعلى الدول المجاورة له في إطاره الجغرافي في قضية معقدة تتشابك فيها العديد من الخيوط داخلياً وأقليمياً ودولياً فمنذ بدء النزاع المسلح الذي اندلع هناك لاتزال تداعياته تؤثر على الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي والبلدان المجاورة لها خاصة وأن السودان يتمتع بموقع إستراتيجي مميز يتشارك فيه بحدود برية مباشرة مع 7 دول إفريقية وعربية.

سنحاول ان نلقي الضوء على بعض تداعيات هذه الحرب التي لا تزال تدور رحاها من ولاية لأخرى في نزاع دامي على السلطة في السودان ذلك البلد الذي إنقسم بين شمال وجنوب وربما سينقسم مجدداً لترضية المقتتلين للفوز بالسلطة والحكم والولاية في غياب رؤية لحلول ديمقراطية تضمن حقوق الشعب في بناء دولة مستقرة.

أبرز تداعيات الحرب السودانية وتأثيرها في محيطها الإقليمي.

– أولى تداعيات الحرب كان في تأثر قوة الجيش السوداني فحالة الحرب والإنهاك المتواصل فرضت واقعا جديداً في البلاد مع امتداد شرارتها السريع لثماني ولايات  فالطرفبن يقتتلان على أرض واحدة بنفس الوسائط وعلى محاور وطرق تحرك واحدة وهذا الوضع يزيد من تعقيد المشهد العسكري هناك ، النزاع المسلح أثر على قدرة وحدات الجيش في تنفيذ واجباتها القتالية التي تراجعت نتيجة تشتت الجهود واستنزاف الموارد البشرية والمعدات العسكرية وانخفاض تماسك الجيش وتدني مستوى الضبط والربط والروح المعنوية بشكل عام.

مثل هذه الحروب تكون مختلطة إلى حد كبير بين عدة أنماط قتالية وهذا الوضع أضعف قدرات القيادة العسكرية العليا السودانية في السيطرة والتحكم وفي تنظيم حركة القوات وقدرتها على تنفيذ الأوامر بفعالية خاصة بعد فقدها للعديد من المواقع الحساسة اضافة الى أن قدرات قوات الدعم السريع كبيرة ومنافسة للقوات المسلحة ماجعل هناك صعوبة كبيرة في إدارة العمليات القتالية في الزمن الحقيقي ففقدان السيطرة يعكس ضعف الاستجابة العسكرية والقدرة على إدارة العمليات ونتيجة لكل ذلك كان سقوط الفاشر نتيجة حتمية وهذا الوضع سيكون لها أثر كبير في مجريات الأحداث.

– النزاع المسلح الدائر في العاصمة والأحياء السكنية في معظم الولايات أثر على النظرة العامة للشعب السوداني تجاه الجيش، حيث زادت الاحتجاجات الشعبية ضد المؤسسة العسكرية لعدم تمكنها من حسم القتال وإنهاء الحالة التي آلت إليها البلاد نتيجة تمرد لفصيل كما تزعم , وهذه التوترات زادت من حالة الانقسام في مكونات المجتمع بين مؤيد ومعارض.

– أثرت الحرب الأهلية بشكل كبير على الأمن الداخلي في السودان، مما أدى إلى تفشي الفوضى والعنف وهذا الانهيار الأمني صاحبته الجرائم المنظمة، وعمليات النهب، وانتهاكات حقوق الإنسان، مما جعل المناطق المأهولة بالسكان عرضة للاختلالات الأمنية وهذا ما ظهر واضحاً ضمن دائرة الأحداث الدامية.

– ساعدت الحرب في تعزيز وتقوية الجماعات المسلحة في السودان والمناطق المجاورة لها، مما أدى إلى تصاعد النزاعات المسلحة في غرب السودان ومنطقة دارفور، وهذا الأمر خلق تحديا جديدا للجيش في السيطرة وإستتباب الأمور لصالحه.

– من المحتمل أن تتأثر بعض الدول المجاورة مثل ليبيا ومصر وإثيوبيا من الناحية الأمنية حيث قد تلجأ بعض الجماعات الإرهابية العابرة للحدود للمكوث فيها لتعيد ترتيب صفوفها وذلك لإنعدام سلطة الدولة السودانية في السيطرة على الحدود مع الدول المجاورة بشكل حاسم مع إمكانية تسرب الأسلحة والذخائر الى المجموعات الإرهابية وما يترتب عليه ذلك من زعزعة الأمن في تلك الدول.

– تزايد حركة النازحين واللاجئين نتيجة أعمال الحرب المدمرة يحمل الدول المجاورة أعباءاً إضافية وأوضاع استثنائية قد لا تكون مستعدة لها من نقص الغذاء والدواء إضافة لاحتمال تفشي الأمراض والأزمات الصحية , فالموجات الهائلة من البشر التي انتقلت إلى ليبيا وتشاد وجنوب السودان ومصر خلقت تحديات إنسانية وأمنية جديدة في هذه الدول ناهيك عن النزوح الداخلي وما يجره من أعباء على الوضع الإقتصادي والإجتماعي في الدولة.

– إستمرار العمليات العسكرية والحالة الأمنية المتردية أثرت بشكل سلبي على الاقتصاد في المنطقة، فقد تضررت سلاسل الإمداد والتجارة في المنطقة بإغلاق الحدود وتوقف حركة الموانيء والطيران خاصة وأن توقف التبادل التجاري مع السودان يؤثر بشكل كبير على اقتصادات عدد من دول الجوار ,حيث تأثرت اكثر من 90 بالمئة من صادرات السودان وهذا ما زاد أسعار السلع بشكل مفاجيء مع ضعف قدرة الحكومة على توفير مناخ آمن و التحكم في الموارد الطبيعية مثل النفط والموارد المعدنية الأخرى بشكل فاعل.

– ربما الهم الأكبر هو التدخلات الأجنبية وانخراط قوى إقليمية ودولية في النزاع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وهذا الأمر زاد من تعقيد الأوضاع الداخلية مع زيادة التوتر والنزاعات بين المجموعات العرقية المختلفة وتبادل الإتهامات بوجود أطراف داعمة لطرفي النزاع.

– تهدد الحرب بشكل خاص استقرار منطقة القرن الأفريقي وحركة الملاحة في البحر الأحمر الذي يعد ممرا حيويا ومنطقة استراتيجية مهمة للتجارة العالمية تشترك فيها مصالح العديد من دول العالم , وقد يؤدي ذلك إلى تفاقم النزاعات القائمة في المنطقة، وإلى تدخل قوى إقليمية ودولية متنافسة لتأمين هذه المناطق منعاً للتأثير السلبي المتوقع.

– شهدت المنطقة نشاطًا دبلوماسيًا من قبل القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، التي تحاول من خلاله التأثير على نتائج النزاع والسيطرة على مجريات الأحداث وهذا الحال زاد في إرباك المشهد السوداني بدون طرح حلول متوافقة ما يعزز من إحتمالات تشكيل تحالفات أمنية إقليمية جديدة لمواجهة التحديات المشتركة الناتجة عن النزاع وإحتواء الأوضاع الأمنية الناشئة عن حالة الفوضى في المشهد السوداني.

تداعيات سقوط الفاشر في يد قوات الدعم السريع؟

حسب تحليل المصادر المعروضة، سقوط مدينة الفاشر في يد قوات الدعم السريع التابعة لمحمد حمدان دقلو "حميدتي" يمثل نقطة تحول كبيرة في الصراع بين القوات النظامية والجماعات المسلحة في السودان، وقد يؤدي إلى إعادة رسم خارطة القوى العسكرية في إقليم دارفور وربما على مستوى السودان بأكمله هذا السقوط لـ"عاصمة" دارفور له تداعيات عديدة أهمها:

  • سيمنح قوات الدعم السريع موطئ قدم أوسع في المناطق الأخرى، حيث ستكون في وضع أفضل لمواجهة القوات النظامية السودانية والجماعات المسلحة الأخرى في إقليم دارفور. وهذا قد يؤدي إلى تصعيد المواجهات والعنف في المنطقة.
  • سيضع السيطرة على الفاشر خارج قدرة القوات النظامية، مما قد يحرمها من القدرة على لعب دور فعال في المنطقة. وبالتالي يهدد هذا بتقسيم السودان إلى مناطق نفوذ للقوات المختلفة.
  • قد يؤثر هذا التطور بشكل سلبي على مسار المفاوضات والتسويات السياسية للنزاع في دارفور، حيث سيضع قوات الدعم السريع في موقع أقوى للتفاوض.
  • بالإضافة إلى ذلك، سقوط الفاشر سيؤدي إلى تدهور الأوضاع الإنسانية والأمنية في المنطقة، حيث تم الإبلاغ عن تصفيات وقتل جماعي وأوضاع معيشية سيئة لسكان المدينة.

إجمالاً، يعتبر سقوط الفاشر في قبضة قوات الدعم السريع نقطة تحول خطيرة قد تؤدي إلى تصعيد العنف وتعقيد جهود السلام في السودان.

تحتل تداعيات الحرب مكانة مركزية في بناء المشهد العسكري والأمني في السودان والقرن الأفريقي بشكل عام ما يتطلب استجابة فورية من المجتمع الدولي ودول الجوار الإقليمية للعمل على تقريب وجهات النظر وايجاد صيغة لحل مستديم يضمن سلامة البلد وأهله لتعزيز الأمن وتحقيق الاستقرار الإقليمي في المنطقة ومنعا لتفاقم النزاعات القديمة القائمة في المنطقة ومحاولة فرض واقع انقسام جديد في السودان.

 

Star InactiveStar InactiveStar InactiveStar InactiveStar Inactive