قبل نشوب الحرب العالمية الثانية وفي العام 1939 م كانت سفينة الجيب الحربية الألمانية جاهزة وتعمل في المحيط الأطلسي وكانت هذه السفينة سريعة وذات أداء متفوق وتصفيح ممتاز بالإضافة إلي نظام التسليح الجيد بها، وقد سميت هذه السفن بسفن الجيب الحربية ألان حجم الإزاحة بها صغير مقارنة بالسفن الحربية الثقيلة وكان لها القدرة علي مواجهة معظم السفن

الأخر باستثناء السفن الثقيلة، وتم اختيار هذه السفن لإعمال الإغارة وفق المبدأ التكتيكي (الضرب والهروب) هذا المبدأ الذي أعطي السفن الألمانية شهرة واسعة خلال الحرب العالمية
الأولي .
وكان مسرح عمليات سفن الجيب الألمانية شمال الأطلسي لمواجهة السفن التجارية المعادية.... وعندما بدا وقودها بالنفاد توجهت عائدة إلي ألمانيا عن طريق مجر النرويج إما السفينة الألمانية الأخر فكان مسرح عملياتها جنوب الأطلسي حيث قامت بإغراق ( 9 ) تسعة سفن تجارية بريطانية عندما أغرقت أخر سفينة قامت هذه الأخيرة بالاتصال لاسلكيا وأبلغت عن مهاجمتها من قبل سفينة ألمانية.
لقد كانت حماية حركة السفن التجارية الخلفية في ذلك الجزء من الأطلسي تقع علي عاتق البحرية البريطانية ممثلة في ثلاث (3) طرادات، وعند استلام رسالة السفينة الغارقة أفترض قائد الطراد المستلم للإغاثة أن السفينة الغارقة ستغير موقعها لاكتشافها كما أنها ستغير منطقة عملياتها وربما تتجه نحو مصب النهر المزدحم وبعملية حسابية قدر انه سيكون هناك خلال عشرة ( 10 ) أيام وسيصل تقريبا في وقت وصول السفينة الألمانية فأصدر أوامره بالإبحار باتجاه النهر في صمت لاسلكي كامل حيث تم مشاهدة السفينة الألمانية والذي ساعد في إيجادها استقبال إشارتها اللاسلكية من قبل البريطانيين.
لقد كان قائد السفينة الألمانية الثانية واثقاً من تفوق أسلحة سفينته وأعطى الأمر مباشرة بإطلاق النار مسبباً أضراراً جسيمة فى السفن البريطانيين وبالمقابل أصيبت السفينة الألمانية الأولى والتجأت الى أحدى المواني المحايدة لإصلاح الأضرار التي أصابتها.
ولكن السفينة البريطانية قامت بملاحقتها وانتظرت خارج مصب النهر مقدرة أن السفينة الألمانية ستغادر الميناء بعد 72 ساعة، وهذا هو الوقت الأقصى المسرح به لسفينة حربية بالبقاء فى ميناء محايد وفقاً للاتفاقيات الدولية. طلب قائد مجموعة السفن الألمانية المزيد من الوقت فى المينـاء المحايد ولكن بدون جدوى، رغم احتجاجاته الرسمية حيث كان على قناعة تامة بأن حالة سفينته لا تسمح بمواجهة البريطانيين.
قام قبطان السفينة بالإبحار خارج المياه الإقليمية وأعطى الأمر الى طاقمها بإخلائها بسلام وأمر بإغراقها وأعتبر نفسه مسؤولاً عن ضياع السفينة ثم قام بالانتحار بعد ذلك.
وخلال الفترة القصيرة لإبقاء السفينة الألمانية فى الميناء قام الملحق البحري البريطاني بالتقاط عدة صور للسفينة الألمانية وإرسالها الى القيادة البحرية فى لندن.
خلال هذه اللحظة الدرامية أهمل طاقم السفينة الألمانية أخفاء هوائي الرادار الذى كان يبدو واضحاً على الصور الملتقطة.
وعند فحص هذه الصور من قبل الأخصائيين البريطانيين أصيب هؤلاء بالدهشة لوجود معدات رادار ألماني على ظهر السفينة وهى أفضل من أي رادار بريطاني موجود آنذاك.

وتم إرسال خبراء الالكترونات الانجليز للبحت عن بقايا للسفينة الألمانية الغارقة أملين بإيجاد الأجهزة وفحص الهوائي لمعرفة نوع الرادار المستخدم على السفينة. لقد كان طراز الرادار الألماني هو (سي تاكت) الشهير رادار قيادة نيران يعمل على ترددMH375 ميجا هيرتز وبطول موجــة (80 سم) فقط وكان أحد الرادارات النسبية، لقد كان قطعة فريدة من الأجهزة ذات المواصفات العالية وكان مداه يزيد عن 9 أميال. لقد أقلقت هذه التقنية البريطانيين، حيث بدت أكثر تقدما ً من الآخرين ولم تنتج الصناعات البريطانية مثل هذا الرادار فى ذلك الحين.
لقد أنتج هذا الرادار الألماني ولم يكن الانجليز على علم بذلك وكان هذا الرادار قادراً على كشف الطرادات البريطانية الثلاثة، وخلال المعركة قام بتقديم معلومات قيمة بما في ذلك المسافة الدقيقة للهدف حتى تمت إصابته قبل البريطانيين وتوقفه على العمل.
لقد أدى غرق السفينة الألمانية وخوف البريطانيين من الرادار المتطور بالإضافة إلى غارات السفن المعادية الى جعل البريطانيين يفكرون جدياً بتركيب معدات الرادار على السفن الحربية البريطانيين, وبدأ البريطانيون فى الحال بإجراء أبحاثهم العلمية لإيجاد رادار ينافس الرادار الألمانى (سي تاكت)، كما بدؤوا بالدراسة الجدية من أجل أبطاله بالمعاكسة الإليكترونية أيضاً، كانت تلك أولى المعارك فى التاريخ التي يستخدم بها الرادار، ذلك السلاح السري الكبير فى الحرب العالمية الثانية.

كان من المعلوم فى ذلك الحين أن الرادار هو ابتكار بريطاني لأن البريطانيين هم أول من استخدمه فى الدفاع الجوى. ولكن فى الواقع كانت الأبحاث تجرى فى الوقت نفسه فى ألمانيا وايطاليا و فرنسا والولايات المتحدة، وكان مبدأ الرادار معروفاً للجميع. أثبت العالم الألماني (هنريج هيرتز) بأن الأمواج الكهرومغناطيسية" سميت أحياناً باسمه بالأمواج الهيرتيزية " تسلك سلوك الأشعة الضوئية، وبذلك يمكن تجميعها فى شعاع واحد، وعند توجيهها الشعاع على لوح معدني تنعكس أشارات الصدى التي يمكن التقاطها. وبعدها قام مهندس آلماني بصنع لجهاز قياس اليكتروني يتألف من مرسل ومستقبل، حيث تقوم الأمواج المرسلة من المرسل بتحريض المستقبل إذا ما انعكست على سطح معدني وكـان هذا الجهاز الذى أطلق عليه أسم (تلي موبيل سكوب) قادراً على التقاط الأصوات مثل قرع الأجراس، باستقبال الموجات الكهرومغناطيسية المرتدة من الأشياء المعدنية من على مسافة بضعة مئات من الياردات.
لقد حصل تطور تقنى بسيط عندما قام العالم ماركونى فى اجتماع عقده فى معهد المهندسين بالولايات المتحدة الأمريكية بشرح الطرق العملية لاستخدام الأمواج اللاسلكية فى الملاحة البحرية، حيث تصوروا أن الجهاز يستطيع إرسال شعاع من الأمواج الكهرومغناطيسية باتجاه ثابت وعند اصطدام هذا الشعاع بجسم معدني مثل شقيقه فإن سيرتد عائد الى الجهاز نفسه.

وقام ماركوني بتقديم عرض الى وزارة الحربية الايطالية لصنع جهاز كاشف لاسلكي( R D T ) وأبدت القوى البحرية اهتماما بهذا العرض من بين القوات المسلحة الثلاث، حيث كانت القوى البحرية أفضل القوات تسليحاً بالمعدات ولها القدرة على البحث الالكتروني والتطوير ولذلك تم وضع مشروع لتصنيع نموذج تجريبي ولكن لم يستمر هذا المشروع طويلا وذلك لعدم وجود الدعم المادي والبشرى لهذا المشروع. وبعد هذه المعارك البحرية التي فقدت فيها البحرية الايطالية ثلاث طرادات و مدمرتين، أحس المسؤولون أن البريطانيين يملكون معدات اليكترونية محمولة على سفنهم، تمكنهم من الرؤية في الظلام وتكونت لدى قيادة البحرية الايطالية انطباع فى تلك المعارك بأن البريطانيين كانوا يستخدمون تلك المعدات لتوجيه وقيادة نيران أسلحتهم. وتم أثبات ذلك من تدقيق الرسائل المشفرة التي تم التقاطها والتى كانت ترسل الى قائد الأسطول البحري البريطاني.
وعلى أثر ذلك قام المسؤولون الايطاليون بتقديم جميع المتطلبات لإتمام تصنيع أجهزة الرادار والتى كانت لا تزال فى مراحل التجربة و الجدير بالذكر أن أهم مساعدة فى تطوير الرادار كانت قد قدمها عالمين فيزيائيين أمريكيين حيث قاما بأجراء تجارب باستخدام النبضات اللاسلكية لقياس ارتفاع الطبقات المتأينة التي تحيط بالأرض للوصول الى الطبقة المتأينة ثم العودة الى الأرض، ونتيجة لهذه التجارب تبين أن ارتفاع الطبقة المتأينة هو فى حدود 70 ميلاً وأنها تعكس الأمواج اللاسلكية.
قام رئيس قسم الأبحاث فى القوات البحرية الألمانية بمحاولة تطوير جهاز قادر على كشف الأجسام تحت الماء وذلك عن طريق ارتداد الأمواج الصوتية عن سطح هذه الأجسام (يعرف هذا الجهاز اليوم بالسونار) حيث أثبت بتلك التجارب أن مايمكن تطبيقه تحت الماء يمكن تطبيقه أيضا فوق سطح الماء، باستخدام الأمواج اللاسلكية، وتابع تجاربه وأستطاع بناء جهاز قادر على توليد استطاعة قدرها 70 وات باستخدام الصمام الألكتروني، ويعمل هذا الجهاز على تردد 600 ميجا هيرتز وكان شيئاً فريداً فى تلك الأيام.
كما قام أيضا باستخدام هذه الصمامات الجديدة (التي أنتجتها شركة فيلبس الهولندية) بصنع جهاز رادار فى معامل الأبحاث التابع للبحرية الألمانية، وعرض هذا الجهاز على كبار ضباط البحرية الألمانية ولاقى نجاحا ًكبيراً فى سلاح البحرية، وكان هذا الجهاز قادراً على كشف السفن على مسافة 7 أميال، كما أستطاع تحديد موقع طائرة صغيرة كانت تطير قرب تلك المنطقة مصادفة .
أما فى الولايات المتحدة الأمريكية فكانت أبحان الرادار تجرى من قبل قوات الإشارة ومعامل الأبحاث البحرية كل على حدة واستطاعت معامل الأبحاث البحرية تطوير نموذج أولى لرادار يعمل على تردد (200MHz) ميجا هيرتز وركب هذا الرادار على القطع البحرية الكبيرة.

وقامت قوات الإشارة الأمريكية بتطوير نظام رادار بعيد المدى وقد أستخدم أحد هذه الأنظمة فى عملية "بيرل هارير" وعلى الرغم من أن عامل الرادار قد أستقبل أشارات تدل على اقتراب الطـائرات فإن أحداً لم يقيم بإنذار وتحذير السفن الراسية فى الميناء.
أما فى بريطانيا فإن الدراسات فى مجال أشارات الأمواج القصيرة كانت تأخذ الطابع العلمي البحثي، مثل تحديد ارتفاع الطبقات الناقلة للايونوسفير.
وعندما بدأت سحب الحرب تظهر فى الأفق ,وتعرضت بريطانيا للغارات الجوية فإن ذلك قاد الى زيادة الجهد العلمي المبذول لمحاولة تعويض الوقت الضائع.
وكان أولى ثمار هذا العمل هو نجاح العالم (روبرت وات) بإظهار الاشارات الالكترونية باستخدام أنبوب صمام الأشعة المهبطية وأستطاع أيضاً تحديد زمن انتشار الإشعاع الكهروضوئي حيث بعد عدة سنوات أستطاع واطسون وات أنتاج أول جهاز عملي لكشف وجود الطائرات.
إن الرادار لا يعتبر أداة من أدوات الحرب الالكترونية ولكن كان الهدف الأساسي للحرب الالكترونية، والذي كان العدد يسعى لتحييده، حيث إن الرادار هو العين الالكترونية الذى يمكن أن ترى فى الظلام وفى الضباب، ويمكنها خرق الستائر الدخانية أيضا، كما يمكن للرادار كشف تقرب العدو على مسافات أكبر بكثير من استطاعة العين البشرية المجردة، كما يمكن الرادار من توجيه نيران المدفعية فى حالة الرؤية الضعيفة وتقديم المعلومات عن الملامح الطبوغرافية للمنطقة إضافة الى أمكانية التصوير الراداري.

تقييم المستخدم: 2 / 5

Star ActiveStar ActiveStar InactiveStar InactiveStar Inactive