في محاولة لوقف الزخم العسكري الذي تحققه قوات الدعم السريع في الحرب الأهلية المدمّرة التي يشهدها السودان، تعمل القوات المسلحة السودانية على إعادة إحياء مساعيها لاقتناء مقاتلات روسية متقدمة من طراز «سوخوي»، في خطوة
تهدف إلى استعادة القدرة الجوية الهجومية بعيدة المدى التي فقدتها منذ بداية النزاع.
وتشير التقارير إلى أنّ أي صفقة محتملة لشراء طائرات «سو-30» أو «سو-35» ستكون مرتبطة على الأرجح بصفقة جيوسياسية كبرى، تتمثّل في منح روسيا موطئ قدم بحري في البحر الأحمر عبر قاعدة لوجستية في ميناء بورتسودان، وهو مشروع تسعى إليه موسكو منذ سنوات.
فقدت القوات الجوية السودانية جزءاً كبيراً من قدراتها في الأيام الأولى للحرب التي اندلعت في أبريل 2023، حين شنّت قوات الدعم السريع هجمات مباغتة على قواعد جوية رئيسية، أبرزها قاعدة مروي، وأسفرت عن تدمير أو الاستيلاء على عدد من الطائرات، بينها مقاتلات «ميغ-29» التي تُعَدّ من أفضل المقاتلات التابعة لسلاح الجو السوداني.
ومع تراجع مخزون الطائرات الصالحة للقتال، بات الجيش يعتمد على طائرات «سو-25» الهجومية و«سو-24 إم» القاذفة، إلى جانب طائرات صينية مختلفة. غير أنّ هذه الطائرات تعاني من مشكلات في الجاهزية، وتواجه تهديداً متزايداً من منظومات الدفاع الجوي المحمولة التي تستخدمها قوات الدعم السريع، إضافة إلى أنظمة أكثر تطوراً يُعتقد أن مجموعة «فاغنر» الروسية قد زوّدتها بها.
تكشف تقارير استخبارية حديثة أن دولة الإمارات سهّلت وصول منظومات دفاع جوي قصيرة المدى صينية الصنع من طراز «FK-2000» وصواريخ «FB-10A» إلى قوات الدعم السريع، عبر طرق غير مباشرة مروراً بتشاد. وقد سُجّل ذلك في تقارير مفتوحة المصدر خلال أغسطس 2025، مما يعزز قدرات قوات الدعم السريع على تهديد التفوّق الجوي المتبقي للقوات المسلحة السودانية، ويطيل أمد الصراع الذي دمّر البنية التحتية وشرّد الملايين.

تسعى القوات المسلحة السودانية إلى اقتناء مقاتلات متعددة المهام من الجيل 4+، وهو تطور نوعي يمكّنها من تنفيذ ضربات دقيقة بعيدة المدى داخل مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، ولا سيما في دارفور وكردفان.
وتشمل الخيارات المطروحة:
- سوخوي سو-30: مقاتلة ثنائية المقعد بعيدة المدى وحمولة كبيرة وأنظمة استشعار متقدمة.
- سوخوي سو-35: مقاتلة متفوقة جويًا أحادية المقعد، أكثر تقدماً وذات قدرة فائقة على المناورة، لكنها أعلى تكلفة.
- المقاتلة الصينية J-10: خيار محتمل بتكلفة أقل.
ومن شأن حصول السودان على أي من هذه الطائرات أن يمثّل نقلة غير مسبوقة في قدرته على استخدام الذخائر الموجّهة بدقة واستهداف خطوط إمداد ومراكز قيادة قوات الدعم السريع المنتشرة بعيداً عن نطاق سيطرة الجيش.
بالنظر إلى محدودية الاقتصاد السوداني المثقل بالحرب، وميزانيته الدفاعية التي لا تتجاوز 500 مليون دولار سنوياً قبل اندلاع الصراع، تبدو أي صفقة طائرات مقاتلة خارج نطاق القدرة المالية المباشرة وتبرز هنا ورقة روسيا القاعدة البحرية في بورتسودان.
فمنذ توقيع اتفاق أولي عام 2020، تسعى موسكو لإقامة منشأة لوجستية على البحر الأحمر، ستكون الأولى لها في إفريقيا، وتمنحها منفذاً استراتيجياً على واحد من أهم الممرات البحرية العالمية.
وقد توقفت المفاوضات بعد انقلاب 2021 واندلاع الحرب، لكن الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان أعاد تنشيط الملف باعتباره الأوراق القليلة المتبقية لديه.
وأكد الفريق ياسر العطا، نائب القائد العام، في تصريحات تلفزيونية، وجود دعم دولي للجيش، مع دور روسي محوري، مشيراً إلى أن التعاون العسكري مع موسكو مرتبط بإنشاء القاعدة البحرية. وهو ما كرره أيضاً وزير الخارجية المكلّف في الحكومة القائمة بحكم الأمر الواقع.
وتشير هذه التطورات إلى صفقة محتملة “طائرات مقابل قاعدة”، قد تغيّر موازين القوى في البحر الأحمر، وتثير قلق الولايات المتحدة وقوى إقليمية عدة.
