تناولنا في العدد السادس يوميات العدوان على غزة بالتفصيل وعرضنا بالأرقام الشهداء والجرحى بالصور وحجم الدمار الذي لحق بالبنية التحتية وما خلفته آلة الحرب الصهيونية من دمار يبقى السؤال هل حقق الكيان الصهيوني أهدافه من هذه الحرب ؟ الحرب على غزة لايمكن وصفها بالحرب حيث أنها لم تكن حرب بمعنى الكلمة التى يمكن فيها المقارنة بين القوتين المتحاربتين وإنما هو إعتداء من قوة غاشمة مدمجة بأحدث الترسانات الحربية أمام شعب شبه أعزل إلا أنها قدمت دروس فى المقاومة والإرادة والإصرار والتمسك بحق العيش فوق الأرض وتحت السماء على أرض فلسطين ،وأثبت أن روح المقاومة لايمكن هزيمتها بأي قوة مهما كانت قوتها .

 


الموقف الجيوسياسي
تبلغ مساحة قطاع غزة حوالي 365 كم مربع تحدها من الجنوب الحدود المصرية بطول 11 كم ،وحدود مع المناطق المحتلة من قبل الكيان الصهيوني و من الشمال والشرق بطول 51 كم ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط وتعتبر ارض وجغرافية القطاع ارض مكشوفة ولا يوجد بها سواتر أو جبال وارض غير ملائمة لحرب العصابات وبالتالي لم يكن للمقاومة الفلسطينية من غير إيجاد بدائل لتعويض نقاط الضعف هده وذلك بحفر الخنادق و الأنفاق وتمويهها مما جعلها تتخطى السلبيات الجغرافية في القطاع ، إلا أنها لم تتمكن من تنظيم مقاومة فعليه في المناطق المكشوفة والمفتوحة وسط القطاع وإعاقة حركة الدبابات إلا من خلال عبوات ناسفة زرعت بشكل مسبق أو توجيه ضربات عن بعد .
ساحل قطاع غزة ملائم لإنزال القوات المعادية وقد قامت القوات الإسرائيلية بإنزال مجموعات من القوات الخاصة رغم أنها لم تكن في أولويات خطة العدو الصهيوني وكانت مجرد مناوشات ( هجوم خداعي ) ومعرفة مناطق تمركز قوات المقاومة .
منطقة القطاع مكتظة بالسكان حيث بلغ عدد السكان في هذه المساحة الصغيرة حوالي 1.39 مليون 75 % منهم من لاجي سنة 1948 ، الظروف الميترولوجية كانت ملائمة لأعمال قوات الكيان الصهيوني وقوات المقاومة الفلسطينية .

أهداف الحرب على غزة كان للحرب على غزة أهداف معلنة وأهداف غير معلنة فالأهداف المعلنة هي :-
القضاء على قوات المقاومة ومنع إطلاق الصواريخ من قبل المقاومة على المستوطنات الإسرائيلية المتاخمة للقطاع وذلك بعد أن تبين فشل إقامة منظومة صواريخ لمنع وصول صواريخ القسام إلى المستوطنات الجنوبية ، حيث أن زمن طيران صواريخ القسام قليل جدا (حوالي تسع ثواني )ورغم سرعتها البسيطة ( 200 متر / ثانيه ) وبالتالي لا تستطيع منظومات الصواريخ المضاد التعامل معها إلا إذا كان زمن طيران الصواريخ لاتقل عن 13 ثانية إضافة إلى الثمن الباهظ للصواريخ المضادة لصواريخ القسام حيث تبلغ 100 ألف دولار للصاروخ الواحد.

أما الأهداف غير المعلنة فكانت :-
1- القضاء على سلطة حماس وإرجاع القطاع إلى السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية .
2- البحث عن عمل عسكري من شأنه يعيد كرامة الجيش الصهيوني بعد هزيمته في سنـة 2006 جنـوب لبنـان عــلى يـد المقاومة اللبنانية .
3- تجرية أسلحة جديدة وأساليب قتالية جديدة مثل ما يسمى بأسلوب القبضة أو الهجوم الصاعق وذلك من خلال حشد كل القوات الضاربة من طيران ودبابات ومدفعية نحو الهدف الرئيسي إلا أن هذا الأسلوب لم ينجح نظرا لأن قوة المقاومة كانت مخفية عن الأعين وتعمل كمجموعات صغيرة وليس كجيش نظامي .

خطة الهجوم للقوات الإسرائيلية 

اعتمدت خطة الهجوم الإسرائيلية على قطاع غزة على الضربات الجوية بهدف تدمير منظومة القيادة والسيطرة لحركة حماس وتدمير البني التحتية والمقار اللوجستيه التي من الممكن أن تستفيد منها المقاومة ويترافق ذلك مع الضغط على سكان القطاع والتي تقوم على فكرة القوة النارية المدمرة والحاسمة للحرب الخاطفة وإيقاع أعلى درجات من الخسائر البشرية وتدمير الأحياء السكنية وهو أسلوب قديم استخدمته إسرائيل في جميع حروبها السابقة مع جميع البلدان العربية .
يتبع دلك الإجهاز على ماتبقى من قوات المقاومة وتتبعهم وتطهير القطاع من أعشاش المقاومة وخلاياها وهى العملية الأساسية لبلوغ الهدف الاستراتيجي من العملية وكانت جميع هذه الأعمال تترافق مع القيام بالاستطلاع المكثف والمستمر باستخدام الطيران والطائرات بدون طيار .

خطة الدفاع لقوات المقاومة الفلسطينية
اعتمدت خطة الدفاع لقوات المقاومة الفلسطينية على مبداء أقليمية التنظيم وقاعدة الاكتفاء الذاتي لكل قطاع للقيام بالأعمال القتالية لفترة طويلة دون الحاجة إلى القواعد اللوجستية وذلك بسبب السيطرة الجوية المطلقة لقوات العدو وقلة العمق الديموغرافي للقطاع .
وكذلك على اتخاذ نظام السيطرة اللامركزية الميدانية من خلال توزيع المقاومين على مجموعات صغيرة يتراوح عددها بين 3 افراد الى 9 افراد تعمل بشكل مستقل والتعامل وفق الموقف الميداني والأحتماء بالأرض والأختفاء عن وسائل الأستطلاع وقوات العدو من خلال حفر الخنادق والأنفاق الطويلة بعد تسديد الضربات والأعتماد على اساليب الكمائن والإغارة والأفخاخ والألغام والمنارة الميدانية والقيام بأعمال استدارج قوات العدو والقنص مع التركيز على الضغط وخلق حالة من الخوف واطلاق الصواريخ على المستوطنات الاسرائيلية بوتيرة ثابتة ولفترة طويلة .

الدروس المستفادة
1 - وحدة القيادة والشعب عامل مهم لبلوغ النصر وهذا ماأكد عليه المفكر الاستراتيجي صن تزو في فن الحرب اذ قال هناك خمسة عوامل تحكم فن الحرب وهي :
- القانون الأخلاقي الذي يجعل الشعب منسجما مع القيادة ويقبل ويلات الحرب وتحمل الخسائر مهما كانت .
- القيادة التي تمثل فيها الحكمة والإخلاص والشجاعة والحزم والإنسانية .
- الانضباطية اختيار الوقت الملائم والمناسب للقيام بالحرب -الاستغلال الاقصى لطبيعة الارض .
2- الجانب الاعلامي مهم جدا وهو احد عناصر التخطيط التي يجب ان تراعى في خطة الحرب وحيث قام العدو بالقيام بحملة اعلامية قبل الحرب للتمهيد للعملية والتعبية الاعلامية والضغط على وسائل الاعلام الغربية وعدم نقل الصورة الكاملة على الوضع المأسوى على مايجري في غزة من قتل ودمار كما عملت المقاومة الفلسطينية بوضع خطة إعلامية الهدف منها الحصول على تشكيل رأي عام إقليمي وعالمي مؤيد للقضية الفلسطينية والضغط على الرأي العام الإسرائيلي من خلال تصوير المشاهد للخسائر الإسرائيلية .
3- الاستعداد المسبق ودراسة العدو بصورة جيدة والاستفادة من دراسة الحروب الإقليمية والتدريب غاية في الأهمية لتحقيق النصر حيث قامت المقاومة الفلسطينية بالاستعداد والتجهيز المسبق بحفر الخنادق والانفاق والتدريب على اساليب القتال ولاستفادة من تجربة المقاومة اللبنانية في حربها مع إسرائيل كما قامت القوات الاسرائيلية بدراسة التجربة اللبنانية ودراسة الأخطاء التي وقعت فيها في جنوب لبنان وقامت ببعض الاساليب مثل التحركات والهجمات والانسحاب ووضع صور ومجسمات في المباني لمعرفة مصادر نيران المقاومة الفلسطينية ،وكذلك ألقيام بالهجمات والانسحاب والتحرك المستمر والمناورة وذلك لعدم تعريض قواتها لأقل الخسائر .
4- أستخدام الأتصالات السلكية من قبل المقاومة الفلسطينية والتي حرمت قوات العدو من التصنت عن المكالمات وتبادل المعلومات بين مراكز القيادة وبين المجموعات الميدانية .
5- أستخدام العدو الصهيوني لأسلحة جديدة فتاكة مثل أسلحة الدايم ذات التأثير الآني والمستقبلي على الأفراد وهي محض دراسة الأن من قبل الهيئات والمؤسسات العسكرية الدولية .
6- قامت القوات الأسرائيلية بالاستطلاع المسبق والمستمر وفى أثناء الأعمال القتالية للأهداف الفلسطينية مما يؤكد على أهمية الاستطلاع فى نجاح الأعمال القتالية .
7- استخدام الطائرات بدون طيار بكثافة عالية لم يسبق لها مثيل يبين أهمية هذا النوع من وسائل الأستطلاع ودوره الهام في معرفة ومتابعة التغيرات في الموقف الميداني ، ومايتميز به من خصائص كسهولة الأستخدام والكلفة الاقتصادية الرخيصة وعدم التعرض للخسائر البشرية والحاجة لحساب الإجهاد لطواقم الطيارين .
8- إعداد المقاتل الجيد والروح القتالية والمعنوية العالية والاستعداد للتضحية والفداء رغم قلة الإمكانيات والمعدات تعتبر من أهم عوامل النصر فى المعركة .
9- غياب الجانب الأخلاقي وعدم مراعاة القانون الدولي الإنساني المتعلق بالصراع المسلح ،وأمام ضغوط الرأي العام الدولي ،تتعرض قيادات الكيان الصهيوني الى ملاحقات دولية من منظمات حقوقية حول الجرائم المرتكبة خلال عملية الرصاص المسكوب مما أدى الى قيام الجانب الصهيوني الى التعتيم على القيادات المشاركة فى الحرب ووضع الخطط للخروج من دائرة الاتهام مواجهة انتقادات الرأي العام حول الجرائم المرتكبة ، وسيكون ذلك درسا ً لكل الجيوش بضرورة مراعاة القانون الدولي الإنساني للصراع المسلح .

الخاتمة

ضرورة الأستعداد المسبق والتدريب الجيد وإعداد المقاتل ورفع من الروح المعنوية ،وتجهيز مسرح العمليات ودراسة العدو أمرا ً ضروريا ً لبلوغ النجاح فى المعركة ، لذلك ترتكن كل دولة على عقيدة عسكرية محددة واضحة المعالم تحدد العدو ونوعية الحرب المحتملة وبالتالي تحديد نوعية التدريب والتسليح وأساليب القتال والاستعداد للحرب ، وحتى فى حالة عدم وجود عدو يجب أن يتم أفتراضه بغرض التدريب والبناء والاستعداد .

Star InactiveStar InactiveStar InactiveStar InactiveStar Inactive