مجلة ليبية متخصصة في الشؤون الدفاعية

بوركينا فاسو | تُعزّيز القدرات الدفاعية للجيش بمركبات التمساح المدرعة مصرية الصنع.

بوركينا فاسو | تُعزّيز القدرات الدفاعية للجيش بمركبات التمساح المدرعة مصرية الصنع.

تسلمت بوركينا فاسو دفعة من المركبات المدرعة المصرية الصنع، وذلك في إطار سعيها المستمر لمكافحة الإرهاب والجماعات المسلحة تأتي هذه الخطوة كدليلٍ قاطع على التعاون المثمر بين مصر والدول الأفريقية…

للمزيد

الإمارات | المعرض الدولي للأمن الوطني ودرء المخاطر (آيسنار أبوظبي 2024) يعرض أحدث الحلول الأمنية في مايو القادم.

الإمارات | المعرض الدولي للأمن الوطني ودرء المخاطر (آيسنار أبوظبي 2024) يعرض أحدث الحلول الأمنية في مايو القادم.

أبوظبي برعاية الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، تنظم مجموعة (أدنيك) فعاليات الدورة الثامنة للمعرض الدولي للأمن الوطني ودرء المخاطر (آيسنار أبوظبي…

للمزيد

تركيا | شركة

تركيا | شركة "بايكار BAYRAKTAR " تُطلق صاروخ "كمنكش2" الذكي الصغير الموجه لتعزيز قدرات الطائرة المسيرة بيرقدار تي بي2.

كشفت شركة “بايكار” التركية الرائدة في مجال الصناعات الدفاعية عن عن بدء اختبار صاروخها الذكي صاروخ كروز ذكي صغير طورته بإمكانات محلية وأطلقت عليه اسم “بيرقدار كمنكش (BAYRAKTAR KEMANKEŞ) في…

للمزيد

اليونان | تعرض مقاتلاتها من طراز ميراج البالغة من العمر 25 عامًا وتقترح بيعها لوزارة الدفاع الهندية.

اليونان | تعرض مقاتلاتها من طراز ميراج البالغة من العمر 25 عامًا وتقترح بيعها لوزارة الدفاع الهندية.

تدرس الهند شراء الطائرات المقاتلة القديمة من طراز ميراج 2000-5 من اليونان، والتي يبلغ عمرها حوالي 25 عامًا. يأتي هذا الخبر المثير للاهتمام من موقع idrw.org، وهو منفذ إعلامي هندي،…

للمزيد

خمس وسبعون سنة مضت على الغارة الجوية التي ضربت غدامس وسببت للأهالي الكثير من الأحزان والويلات، وكانت قد ألحقت بالمدينة دمارا  بالغا لا زالت بعض آثاره قائمة إلى يومنا هذا.. حدثٌ صادم أفضى إلى مشهد كارثي لا تزال ذكراه عالقة في الأذهان رغم انقضاء بضعة عقود من الزمن على الواقعة الأليمة. إنه يوم مأساوي بامتياز تختصر ملامحه الحقيقية تجليات هذه القصة القصيرة.

كانت الحرب العالمية الثانية من الشمولية والإنتشار بحيث غدت أنحاء عديدة من مختلف بلدان العالم مناطق للقتال، وكان الشمال الأفريقي بدوره مسرحا للعديد من المعارك التي دارت رحاها بين قوات الحلفاء من جهة، وقوات المحور المؤلفة أساسا من ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية من جهة أخرى. واجتاحت العمليات القتالية مناطق واسعة من التراب الليبي، حتى أن المناطق الكائنة في العمق لم يكن بعضها بمنأى عن أهوال الحرب. هكذا هو الشأن بالنسبة لغدامس حينما تعرّضت ذات يوم من تلك الأيام لما لم يكن في الحسبان، إذ لم تشفع لها إحداثياتها الجغرافية في أن تنجو من الدمار، وكأنّ آلة الحرب لم تكن بغافلة عن هذه المدينة فامتدّت إليها لتلقي في ربوعها وابلا من الحمم. فماذا حل في ذلك اليوم المشهود بتلك الواحة الخلابة غدامس، الكائنة في الجانب الليبي من المثلث الحدودي المشترك مع تونس والجزائر؟

تلك الواحة البريئة التي تبدو كجوهرة في بريقها، وهي تربض وديعة في أحضان الصحراء متربعة بسكون معهود على أديم يابسة معطاءة، بديعة كأحسن ما يكون الجمال في روعة تراثها وعراقة تاريخها.. ذلك اليوم إستيقظت المدينة لتسقبل صباحا باردا غداة ليلة شتوية منخفضة الحرارة، كانت السماء صافية كعادتها في أغلب الأيام، والشمس مشرقة ترسل أشعة باهتة تبدو غير مؤهلة بعد بما يكفي لبث الدفء ومعادلة آثار الطقس في الليلة البارحة.. فيما كانت أصوات لطيفة، متناغمة مع أطياف النسيم المنعش، تنبعث في الأجواء وتبث ألحانا وترانيم تبهج النفس بخالص أناشيد الطبيعة؛ مزيج من حفيف جريد النخيل وزقزقة العصافير مع خرير عين الفرس التي ينساب منها الماء إلى البساتين حيث الخضرة والنضارة.. في ذلك اليوم وكالمعتاد كان الرجال يسعون لاكتساب مورد عيشهم، فتراهم إما عاكفين على أعمالهم في الجنائن أو في المحترفات أو تلقاهم في الأسواق يبيعون ويشترون ويتقايضون بأسلوب تنافسي وسط أجواء يسودها في الغالب روح التآلف والوئام. أما النسوة فهن منهمكات في أشغالهن المنزلية يؤدّينها بقدر ما أوتين من مهارة واقتدار.. والفتية مواظبون على التحصيل في الكتاتيب والزوايا يحفظون ويدرسون القرآن ويتلقون ما يتيسر من اللغة ومبادئ العلم.. أما الصبية فلا شأن لهم إلا اللعب فتراهم يمرحون بكل بهجة في الأزقّة والأروقة وفوق الأسطح.. الكل مشغول بما يقوم به وهو راض بما يؤديه في المدينة العريقة ذات الظلال والمساجد والبيوت المُحاطة بالبساتين الغناء وبالزرع والنخيل والقطوف الدانية.. عموما كل ما في الواحة يشكل قلوبا مفعمة بالطمأنينة والرضى ويجسد مناخا ينبض بالحياة ويبعث في مجمله على القناعة والأمل. هكذا هي كانت الأجواء السائدة في مدينة غدامس صباح الإثنين الحادي عشر من يناير 1943، كما هي عموما في سائر الأيام؛ أجواء هادئة لا يكاد يعكّر صفوها نكد ولا ينغّص مزاجها حزن.. لكن الدنيا مليئة بالمفاجآت ولا تخلو من المصائب التي كثيرا ما تباغت العباد وتتدخل بقوة في مساراتهم اليومية لتلقي بظلالها على مجريات حياتهم، ففي ذلك اليوم ما كان أحد من أهل المدينة يتوقّع أن هذه الأريحية لم تكن إلا الهدوء الذي يسبق العاصفة وأن المدينة هي يومذاك على موعد وشيك مع مصيبة شديدة الهول سينقلب الأمر معها إلى وضع كارثي غير مسبوق..

مع حلول الظهيرة ومن دون سابق إنذار حانت ساعة الصفر وقد تزامنت مع انبعاث دوي هائل ثم مجموعة من الإنفجارات المتتالية التي هزت المدينة من أساسها هزة عنيفة، حدث ذلك مباشرة عقب سماع أزيز طائرات مترافق مع فرقعات قنابل.. ما هي إلا لحظات حتى انقلب المشهد إلى أعمدة ركامية من الغبار والأدخنة تتصاعد في الفضاء، وهي تعانق السماء متمايلة مع اتجاه الريح متكاثفة تارة ثم لا تلبث أن تتبدّد وتتلاشى تدريجيا كلما ارتفعت نحو الأعلى..

الواقعة شكلت حدثا جللا تهاوت على إثره المدينة فانهارت العديد من المنازل والمباني فوق رؤوس أهلها، فأمسى مصير الضحايا بين من سحقه الركام على الفور ومن كتمت أنفاسه اختناقا ومن هو محاصر بين الأنقاض ومن هو جريح أو مصاب أو في الرمق النهائي يلفظ آخر الأنفاس.. هكذا وبوتيرة متسارعة تحوّلت الأوضاع في المدينة إلى حالة كأداء، فأحاطت الدهشة بالجميع وانتابهم الذهول، حينها ما من أحد من الأهالي إلا وأدرك أنها الحرب، ولا شيء سواها يمكن أن يحدث هكذا أفاعيل.. فما العمل وقد طالتهم بلية الحرب وهم ينظرون، ثم ماعساهم أن يفعلوا ولم يكن ثمة من الإمكانيات ما يساعد على التدخل أو التصرف لمواجهة الكارثة، ولا وجود لأي وسائل فعالة لإزالة الركام وإنقاذ العالقين وإخلاء وإسعاف المصابين أو انتشال جثث الشهداء من تحت الأنقاض.. في تلك الآونة عم الإرباك وسيطرت الفوضى وتعالت الأصوات المنادية بضرورة الفرار، ولم يكن أمام عموم السكان من ملاذ سوى الإنطلاق نحو البساتين للإحتماء وتوخّي النجاة ريثما يزول الخطر، وفي الأثناء تطوّع الكثير لمساعدة الشيوخ والنساء والأطفال على تخطّي ومغادرة المباني المتساقطة. وعلى الرغم من أن القصف لم يدم سوى وقت قصير بيد أن الضربات كانت خاطفة وعنيفة، وخلفت آثارا رهيبة ودمارا هائلا. لم يتأخّر رجال المدينة في المبادرة إلى نجدة الضحايا والمحاصرين والقيام بما يلزم لمواجهة المصيبة، وقد أقبلوا على هذه المهمة الشاقة بكل حماس وتفان باذلين قصارى جهدهم بما تيسّر لديهم من الوسائل المتاحة، وهي في كل الأحوال وسائل بسيطة، غير أن هول الكارثة كان أكبر من كل تلك الجهود المبذولة. وما زاد الأمر تعقيدا هو طبيعة المباني وخصائصها المعمارية كونها مترابطة يشد بعضها بعضا ومؤلفة من طوابق، وهو ما أدى إلى تكدّس الإنهيارات وارتفاع منسوب الركام.. وبوتيرة نشطة ظلت الأعمال جارية على قدم وساق وهو ما أتاح إحراز نتائج ملموسة، حيث أمكن إنقاذ وانتشال العديد من المصابين والضحايا، بينما ظل البعض الآخر في عداد المفقودين وبالتالي بقيت مصائرهم مجهولة إلى حين.. أما الأنين فما فتئ يتصاعد من حين إلى آخر من تحت الأنقاض والحشرجات يمتص صداها الحُطام، في وقت غدت فيه مهام الإنتباش صعبة للغاية وليست من الفعالية بما يكفي للوصول بسرعة وقبل فوات الأوان إلى الأعماق لإدراك الضحايا والإستجابة لكل نداءات الإستغاثة، والمحزن وجود حالات تلاشى فيها الأنين ثم اختفى إلى الأبد.

على خلفية الحادثة باتت الأحوال الراهنة تشكل تدهورا ملموسا على مستوى المعيشة، فالأجواء في البساتين بشكل عام قاسية ولا سيما عندما يُرخي الليل سدوله وتنخفض درجات الحرارة حيث تصبح ظروف المبيت في العراء صعبة التحمّل، وهو ما زاد من حدّة المعاناة لدى الناس.. وحيث كانت هناك حاجة من السكان لمعرفة ما إذا كان من المحتمل أن يتجدّد القصف، حتى يتسنى لهم تحديد الأوجه المناسبة للتصرف، لكن لا أحد يدري، لذلك ظل القلق العميق يساوهم والحيرة تفاقم مشاعر التعاسة في نفوسهم وتحط من مستوى معنوياتهم. هكذا هي الأوضاع عموما، إذ المخاوف ما برحت تنتاب الأهالي وهم يتوجّسون من مفاجآت جديدة غير محمودة العواقب، فظلوا متردّدين بين المكوث في بساتينهم وبين العودة إلى بيوتهم. لكن الحكمة إذ تقتضي توخّي الحرص، لذا فقد ذهب الرأي السائد إلى قناعة مفادها وجوب التأنّي ومراعاة الحيطة والحذر حتى حين. وحيث كان من الواجب تحسين مستوى هذه الإقامة القسرية في أماكن اللجوء، فقد تم توفير بعض الأغطية والمفروشات وجلب قدر من المستلزمات الضرورية الأخرى مثل التموين والحطب، في محاولة للتخفيف من حدّة المكابدة، لكن الكآبة ظلت مستبدّة بالنفوس لتعكس حالة نفسية متردية بادية على الوجوه عامة.

هكذا أصبح الموقف عسيرا في خضم الجائحة بشكل انقلبت معه وتيرة الحياة اليومية لدى الأهالي رأسا على عقب، فحلّ الإرباك محل ما كان سائدا في ديارهم من الحياة الهانئة، أما الرعب فأضحى بديلا عما هو كان معهودا في تلك الديار من أمن وأمان، هذا فضلا عن أن الوضع الحقيقي بات يشكل تدهورا ملموسا على صعيد الحالة الصحية والنفسية ناهيك عن التدنّي المفاجئ في الضروريات اليومية. وإجمالا فالأحوال العامة في المدينة أخذت منحى حرجا وأوجدت واقعا مؤلما بدأ يرسم ملامح أيام استثنائية غير متوقّعة قُدّر للأهالي أن يعيشوا مرارتها، وهي أيام عصيبة بامتياز ومليئة بالويلات. لذا فالقلوب أصبحت تعتصر ألما وقد اعترتها الكآبة وأصابها اليأس والإحباط، أما الحزن العميق فقد خيم بظلاله الكثيفة على أحياء المدينة، حتى أمسى الرجل لا يكاد يسير في الشارع من دون أن يكون إما في طريقه إلى تشييع جنازة أو عائدا منها أو متوجها إلى مجلس عزاء أو راجعا منه.. فلا حديث يدور يومئذ ولا شغل ولا شاغل إلا في مضمار الواقعة وتداعياتها، حتى أضحت عبارات التعازي والمواساة هي أغلب ما يتبادله الناس من كلمات.. أما لسان الحال فقد كان عموما يتّسم بالإيمان وقضاء الله، والتناصح بوجوب التحلي بجميل الصبر. 

استهداف المدينة والطرف المسؤول؛ سؤال يفرض نفسه بإلحاح في وقت أصبحت معه الإجابة عنه تمثل أدنى حق يمكن للمدينة المنكوبة أن تطالب به، بيد أن طقوس الحرب تتجاوز بطبيعتها كل الإعتبارات والإلتزامات الأخلاقية، فما بالك بالإعتراف بالذنب أو بأدنى الحقوق للمنكوبين والضحايا. ظل السؤال مطروحا والغموض يكتنف الواقعة، إلا من بعض الفرضيات الإستنباطية التي لا ترقى إلى مستوى الإتيان بالجواب الشافي. وهكذا إلى أن جاءت اللحظة الحاسمة المنتظرة، حيث تسنى لمتتبعي مجريات الأحداث أن يقفوا على ملابسات ما حدث لمدينتهم، فتبين أن سربا من الطائرات الأمريكية القاذفة انطلقت من القاعدة الفرنسية في بسكرة بالجزائر في عملية كانت تستهدف في الأصل الحامية الإيطالية بغدامس، ضمن عمليات قوات التحالف ضد قوات المحور خلال الحرب العالمية الثانية، غير أن الطائرات المغيرة أخطأت الهدف الأساسي وذلك على خلفية ما يُذكر من قيام الحامية الإيطالية المستهدفة باستخدام التمويه الدخاني لتضليل وتعمية هذه الطائرات، فلم يكن عندئذ من مآل لأغلب القنابل المحمولة جوّا سوى التساقط عشوائيا فوق المدينة فحدث ما حدث.. إلى ذلك فإنه يُشار إلى أن القليل من القنابل لم تنفجر لدى سقوطها بل اخترقت أسقف بعض المباني واستقرت في الأسفل، ولو قُدّر لها أن تنفجر هي الأخرى لكان الأمر أشد كارثية. أما زنة المواد شديدة الإنفجار الملقاة إجمالا فقدرت بثلاثة عشر طنا ونصف، كانت سببا في انهيار سبعين منزلا دُمّرت تدميرا كاملا، وتهديم جزئي لعدد 200 منزل ومبنى، هذا بالإضافة إلى تدمير كلي للجامع العتيق وهو أقدم مساجد الواحة، وقد جرى في وقت لاحق خلال فترة الإدارة الفرنسية إعادة بنائه من قبل الأهالي بالمجهود الذاتي.. أما الخسائر البشرية فتمثلت في مقتل وإصابة العشرات من سكان المدينة.. وفي الأثناء عادت الطائرات المغيرة إلى قواعدها سالمة. ومع أن الحامية الإيطالية لم تتعرض لأي أذى ولم يصب أي من عناصرها بسوء، إلا أنها أخليت في وقت لاحق وقد انسحب منتسبوها حاملين معهم أسلحتهم وعتادهم، وربما كان ذلك لسبب يعود إلى الخشية من معاودة استهدافها.. هذا ومن الناحية العسكرية تعتبر الحامية الإيطالية المتمركزة في غدامس، بحكم موقعها الجغرافي، بمثابة مصدر تهديد من شأنه أن يقلق الوحدات العسكرية الفرنسية المرابطة في الجانب الجزائري من الحدود، وقد يكون هناك تصعيد من الجانب الإيطالي ضد إحدى تلك الوحدات الفرنسية قاد إلى مناوشات ربما أفضت إلى القرار بتوجيه ضرية جوية إلى الحامية لإبطال دورها التكتيكي في خضم العمليات الجارية.

والجدير بالذكر أن الأهالي في غضون الأيام اللاحقة من حدوث الواقعة توصلوا إلى العثور على بقية جثامين المفقودين من الضحايا الذين قضوا في الغارة، ما عدا جثمان يعود إلى شهيد واحد ظل مفقودا، إذ لم يعثر على رفاته إلا في شهر فبراير 2013، أي بعد سبعين سنة على الحادثة.

ثمة مسألة يجب التوقف عندها وقد سبقت الإشارة إليها وهي أن القوة الجوية المهاجمة والثكنة العسكرية المستهدفة لم يصب أي منهما بأدنى ضرر، أما السكان المدنيون الأبرياء هم وحدهم من دفع الثمن غاليا جرّاء هذه الغارة؛ وضع يعكس بوضوح انعدام أي مراعاة للسكان المدنيين وانتفاء وجود أي حرص على سلامتهم أو حتى مجرد التفكير في سبل نجاتهم، وكأنهم لا يمثلون شيئا ذا بال في نظر الأطراف المتحاربة، بل إن الأمر لكذلك بالفعل، فالقوى الغاشمة لا تعير أي اهتمام للتدمير الذي تلحقه بالمدن وما يترتب عليه من خسائر بشرية في صفوف الأهالي العزل.. وليس ذلك بغريب، فعلى إيقاع الحروب والمواجهات المسلحة كثيرا ما تنتهك قواعد الإشتباك ومبادئ القانون الدولي الإنساني وغالبا ما تتم الإطاحة بمضامين كل البروتوكولات التي تؤكد ضمن نصوصها على مراعاة وتوخي القدر الكافي من الحيطة والحذر للحد من تأثير النزاعات المسلحة على السكان، وعلى وجوب حماية الأشخاص الذين لا يُشاركون في القتال وفي مقدمتهم المدنيين وعدم تعريضهم للخطر.. لكن ذلك يبقى حبرا على ورق في نظر صانعي الدمار، وهو ما يعكس إنحدارا أخلاقيا واستهتارا واضحا بالقيم الإنسانية.. ولا غرابة في ذلك فإن الشيء من مأتاه لا يستغرب..

وبالعودة إلى التداعيات المتلاحقة التي جدتّ في غدامس جرّاء الغارة، فقد كان من الطبيعي أن تثير انعكاساتها موجة من الإستياء الشديد في ذلك الوقت وأن تزيد من ضغينة السكان تجاه تلك الحامية، وبالأخص حينما عمدت إلى التوقّي من القصف الجوي على حساب أمن المدينة التي تجرّعت بمفردها كأس الفاجعة. ومن جهة أخرى فقد تأججت مشاعر الحقد العارم إجمالا ضد المحتل الإيطالي الجاثم حينذاك على الأراضي الليبية والذي عانى المواطنون من جرّائه معاناة كبيرة وتعرضوا على يده لبالغ العذابات ولأشد عمليات القتل والبؤس والتشريد، بالإضافة إلى كل ذلك فإنه ربما لا يخفى على أحد ما تسببت فيه الهيمنة الفاشية من مضاعفات جرت البلاد الليبية في تلك الحقبة الإستعمارية إلى أتون الحرب وجعلت أراضيها منطقة اقتتال تصول وتجول فيها تشكيلات وجحافل الجيوش الأجنبية، بينما لم يكن لأهلها ناقة ولا جمل في هذا المعترك.. لكن مع كل ذلك ورغم الهموم والشواغل وكل التضحيات فإن المشاعر العامة لأهل البلد لم تكن في تلك الأيام تخلو من الطمأنينة لجهة كون هذا المحتل لم يهنأ قط منذ أن وطئت قدماه أرض ليبيا، فقد كانت ضربات المقاومة الوطنية في أنحاء البلاد قد أنهتكه وشلت عزيمته، فتكبد من الخسائر ما جعل الخيبة تلازمه وتطيح بالأمل الذي كان يتطلع إليه في جعل ليبيا الشاطئ الرابع لإيطاليا. ولعل من نافلة القول التأكيد على أن هذه المعطيات مضافة لما كان يجري حينها من أحداث على الأرض كانت قد دفعت باتجاه النهاية المحتومة للحقبة الإستعمارية المقيتة التي شكلت مرحلة من مراحل التاريخ الليبي في العصر الحديث.

Pin It

تقييم المستخدم: 3 / 5

Star ActiveStar ActiveStar ActiveStar InactiveStar Inactive
 

 

 

المتواجدون بالموقع

1057 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

خدمة التغذية الأخبارية لمجلة المسلح

 

 

 

 

 

  

قائمة البريد

أشترك فى القائمة البريدية لأستقبال جديد المجلة

 

كلمة رئيس التحرير

جيش بلادي

جيش بلادي

من جغرافيا متناثرة لوطن مُمزّق.. بعدما دبّ اليأس في النفوس وانحسرت المقاومة باستشهاد رمزها، واستباحة…

للمزيد

الإثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت الأحد
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31

 

 

كلمة مدير التحرير

على هامش الذكرى...

على هامش الذكرى...

الحياة مليئة بالتجارب التي غالبا ما تترك آثارا عميقة في دنيا الشعوب، إذ ليس غريبا…

للمزيد